ايران دولة دينية ام قومية؟.
يصف اغلب الكتاب والاعلاميين والسياسيين العرب حين الحديث عن الشأن و المشروع الإيراني بأنه مشروع قومي وان ايران دولة قومية لا دينية,. وهذا خطأ فادح كما يراه البعض الاخر, وبذات الوقت يدل على قصر نظر وقلة معرفة بالواقع التاريخي والسياسي لإيران،وتجاهل محض لدور الدين في تكوين الأمة والدولة الإيرانية،ماضيا وحاضرا.
فإيران منذ نشأتها كإمبراطورية نشأت على أساس ديني (مجوسي) وكان الدين المجوسي عنصرا هاما في تكوين الامبراطورية الفارسية التي ضمت اعراقا ومللا مختلفة في حضارتها.
وبعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس و انهيار الامبراطورية الفارسية المجوسية, ولعب الدين دورا أساسيا في مشروع الحركة الشعوبية التي كانت وراء نشوء مجمل الحركات الباطنية التي قامت على اسس دينية مجوسية ومانوية ومزدكية وغيرها من الديانات التي كانت رائجة في بلاد فارس وكان هدفها محاربة الاسلام واسقاط الدولة الاسلامية.
وحين خضت بلاد فارس الى حكم الدويلات المغولية لفترة امتدت قرابة الثلاثة قرون لم يتغير طابعها السياسي او الديني,حيث بقيت كيانا سنيا ضمن الدولة الاسلامية,وعندما جاء الصفويون في القرن التاسع الهجري، اقاموا دولتهم الجديدة على أسس دينية وليس قومية فالصفويون لم يكونوا فرسا وانما هم من القومية التركية الاذرية ( والاذرية نسبة الى اقليم اذربيجان وهم من التركمان).
كما ان الممالك التي حكمت بلاد فارس بعد سقوط الدولة الصفوية منتصف القرن الثاني عشر الهجري ولغاية منتصف الرابع عشر هجرية,من افشارية وقاجارية جميعها كانت ممالك تركمانية غير فارسية و حكمها كان قائما على اسس دينية شيعية وكانت امتدت سلطتها متد الى افغانستان شرقا واجزاء من القوقاز و ارمينيا وجورجيا شمالا وغربا .
وفي عام 1926ميلادي وحين أنهى رضا خان بهلوي حكم الاسرة القاجارية وانتقل إلى تكوين الأمة والدولة الإيرانية،فبرغم من علمانيته الشهيرة الا انه اتخذ من التشيع عقيدة للأمة والدولة الإيرانية، و جعل الفارسية لغة رسمية لها, و أوكل إلى مراجع الدين الشيعة بناء مدارس دينية لتخريج رجل دين شيعي جديد مستوعبا لمفهوم الأمة والدولة الإيرانية, حيث كان رجال الدين الإيرانيين قبل ذلك يتعلمون في الحوزات الدينية الشيعية في العراق التي أسس لها نصير الدين الطوسي في القرن السابع الهجري وكانت هذه الحوزات تربي رجل الدين على مفهوم التشيع التقليدي البعيد عن مفهوم الأمة والدولة الإيرانية.
واستمر هذا البناء مدة تزيد على الخمسة عقود, فلما جاء الخميني أراد لإيران الانتقال مجددا إلى مرحلة الإمبراطورية ولكن على أساس ديني وليس قومي ولهذا اقام نظام ولاية الفقيه و تبنى مشروع تصدير الثورة الدينية.
فالخميني الذي أدرك فشل المشاريع القومية في العالمين العربي والاسلامي , قد وجد ضالته في المشروع الديني وجعل على رأس الدولة والنظام رجل يرتدي العمامة السوداء التي ترمز الى نسبه العربي المنحدر من آل البيت.
ومن هنا بات من الصعب على أي كاتب أو سياسي وصف إيران بالدولة القومية .
الرئيس الراحل صدام حسين في خطأ كبيرا خلال حرب الثماني سنوات مع ايران حين أراد مواجهة المشروع الديني الإيراني بالخطاب القومي العلماني, فبذالك استطاع الخميني من الكسب الحركة الاسلامية في العالمين العربي واسلامي اكثر مما استطاع صدام كسبه.ونفس الخطأ يكرره اليوم الكثير من المفكرين والدعاة والكتاب العرب وأهل السنة عندما يصفون المشروع الإيراني بالقومي الفارسي. فكيف يمكن إقناع الجماعات الاسلامية المتحالفة مع إيران، وكذلك الشيعة العرب في العراق والخليج العربي والشام، وغير العرب في أفريقية وآسيا، أن المشروع الإيراني مشروع فارسي عنصري وهم لا يسمعون منها سوى الخطاب الديني,الى جانب تقدم لهم الدعم لهم بسخاء؟.
ومن هنا يتبين ان على كل مهتم بمواجهة المشروع الإيراني إعادة قراءته لإيران ومشروعها التوسعي, وما هي المرتكزات الأساسية لهذا المشروع الذي نريد مواجهته,,, وفي ظل هذه الحرب هل هناك اقوى من العقيدة الاسلامية يمكن ان تواجه المشروع الديني الايراني؟.
الخميس, 21 نوفمبر 2024