الجمعة, 13 يونيو 2025

متى ستنضم( قسد) الى الدولة السورية؟

302 مشاهدة
منذ يومين

                       متى ستنضم (قسد) إلى الدولة السورية؟

        كتب:  أحمد مظهر سعدو

مازالت (قسد) وتموضعاتها العسكرية شمال شرق سورية، تحاول ملكًا نحو تأسيس نواة دولة انفصالية كردية، وهي تضغط ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، باتجاه التملص من البنود التي وقعت عليها في دمشق بتاريخ 10 آذار/ مارس 2025. وتستمر (قسد) في فعل ذلك ضمن محاولاتها الإفلات من تبعات اتفاق قد لا تكون مقتنعة به عندما ذهبت إلى توقيعه بشخص (مظلوم عبدي) لكنها في حينها كانت محصورة ومضغوطة إقليميًا وأميركيًا من أجل الاسراع في توقيعه وإنجازه.

أما اليوم فهي تقوم بتجميع مكوناتها التنظيمية وأصدقائها، وتذهب إلى دمشق، من خلال وفد كردي يضم الطيف الواسع من القوى الكوردية، من تختلف معهم، أومن تتفق، لكنها تريد بذلك وعبره ممارسة الضغط الممكن على حكومة دمشق، لتحصيل كل ماهو جديد ويخدم مشاريع (روج آفا) وخاصة ما يتعلق بمسألة اللامركزية السياسية، التي تَوافق الأكراد مؤخرًا ومن خلال مؤتمر (الوحدة الكردية) على التمسك بها، لتكون بمثابة (كسر عظم)، دون أن تقبل التخلي عنه مهما حصل.

في هذا السياق المتحرك للمشهد السوري رب سائل يقول: وهل الظروف الدولية والإقليمية مازالت قادرة عبرها (قسد) على تحقيق المراد والمأمول من سياسات دأبت عليها خلال السنوات الأخيرة؟ وهل مايزال الأميركان بعد وصول الرئيس (دونالد ترامب) إلى البيت الأبيض ممن يمكن أن يعطوا الأكراد ذلك الغطاء، الذي به وبه فقط تمكنت (قسد) من الهيمنة على مناطق واسعة من سورية، أيام حكم نظام المخلوع بشار الأسد، لتصبح محافظتي دير الزور، والرقة، تحت سيطرة الكيان الكوردي الانفصالي؟ حيث (وكما يعرف الجميع)، لايوجد فيهما أي كوردي على الإطلاق؟

ثم هل يمكن القبول بصيغة (حكم ذاتي) كما تسميه (قسد) وهو في الواقع التطبيق العملي لمسألة (اللامركزية السياسية) بقرار من مكون سوري كوردي فقط، وهو الذي لايرتقي إحصائيًا ديمغرافيًا إلى نسبة 8 بالمئة من عدد السكان السوريين. أليس هذا الأمر على أهميته من المفترض (ديمقراطيًا) أن تقرره جموع الشعب السوري، عبر صياغة وبناء دستور دائم للسوريين، وعقد اجتماعي سوري جامع لا يستثني أحدًا، ويقطع مع الماضي بنظامه المستبد وفي الوقت نفسه يحافظ واقعيًا وعياينيًا على وحدة الجغرافيا السورية بكليتها.

لعل كل ذلك قد دار، أو لابد أن يدور في خلد منظري (قسد) عندما يتابعون ويصرون على مطالباتهم التي لا تنتهي بمبدأ (اللامركزية السياسية) ولو أنهم قبلوا باللامركزية الادارية لانتهت المشكلة وحل الأمر، إلا إذا كان وراء الأكمة ماوراءها، وأن من يتمسك اليوم باللامركزية السياسية إنما يضمر جوانيته فكرة واحتمالات الوصول إلى مسألة إقامة ما يسمونه (روج آفا) أي (كردستان الغربية) وهي مسألة طوباوية خيالية لايمكن أبدًا ضمن متطلبات الواقع السوري العملية الوصول إليها. حيث لانعتقد أن السوريين (وعبر استفتاء قادم على الدستور الدائم) يمكن أن يوافقوا عليها، كما أن الإقليم ودوله: العراق وتركيا وإيران وسورية، لايمكن أن يصادقوا سياسيًا، ولا أمنيًا على ذلك، حرصًا على عدم الوصول إلى مشهد إقليمي تفتيتي قد يطال دولهم دولة إثر دولة، فيما لوسمح للأكراد بإقامة دولة انفصالية، وتجربة (مسعود برزاني) شمال العراق منذ سنوات تؤكد ذلك عمليًا وواقعيًا، مع الفرق الكبير ديمغرافيًا بين العراق الشمالي، وشمال شرق سورية.

اليوم وضمن هذه الظروف والمفاعيل الدراماتيكية الصعبة يعيش فئات من الأكراد المنضوية تحت حكم(قسد) في حالة من الفوات ومن الصعوبة بمكان الخروج منها، إلا إذا سادت بالفعل حالة جديدة من العقلانية السياسية، وتمت إعادة التفكير الجدية بمستقبل الأكراد السوريين ضمن النسيج الوطني السوري والبوتقة السورية الوطنية الموحدة الصرفة، وليس على أساس آخر إثني أو قومجي يفتت سورية ولايجمعها.

(قسد) ماانفكت تنوس بين مسألتين اثنتين : الوصول إلى دمشق، وإعادة تحديث الاتفاق الموقع بين (مظلوم عبدي) والرئيس السوري (أحمد الشرع)، أو الانتظار والترقب لما يمكن أن تفعله الدولة التركية، وأيضًا الحكومة السورية الجديدة،  حيث لايمكن أن تقبل حكومة دمشق بوجود فصائل عسكرية كوردية أو سواها، خارج إطار الدولة السورية، بعد انتهاء المهلة المحددة لهم، ولكل الفصائل السورية، من أجل الاندماج في المؤسسة العسكرية السورية ووزارة الدفاع السورية، كما أن الدولة التركية لن تقبل أبدًا ، كما يؤكد قادتها، بوجود ميليشا عسكرية كوردية ،على حدودها الجنوبية الشرقية، كانت جزءً من تنظيم (حزب العمال الكردستاني) المنحل، لتقلق راحتها الأمنية، حيث كانت (قسد) ومعها تنظيم ال (ب ك ك) قلقًا مستمرًا وتقويضًا دائمًا للأمن القومي التركي، ويبدو أن انسحاب القوات التركية المستقبلي من شمال سوررية، مازال مرهونًا بشكل مباشر  بمسألة حل كل قوات تنظيم (قسد) ومن ثم اندماجها في أتون المؤسسة العسكرية السورية للدولة الوليدة الجديدة بعد انهيار جيش بشار الأسد المخلوع.

يمكن القول أنه واقعيًا وموضوعيًا لا إمكانية اليوم أبدًا لبقاء (قسد) عسكريًا وانفصاليًا  على وضعها الحالي، ولايمكن لتنظيم (قسد) لوحدها أن تقرر وضع ملامح دستور سوري دائم سوري جديد لوحدها، دون استمزاج رأي الشارع السوري بتكويناته كلها :العربي والتركماني والشركسي والأرمني والآشوري، وكل تلونات الواقع السوري وتعددياته برمتها.

الحل العاقل في سورية هو العودة إلى كيان الدولة الوطنية السورية دولة المواطنة المفقودة أيام آل الأسد، وإعادة رسم ملامح مستقبل سوري واحد موحد، لامكان فيه للنزعات الانفصالية، ولاوجود فيه لأي ميليشيا خارح إطار الدولة الوطنية السورية.

بين السندان والمطرقة لابد أن تختار (قسد) وكل من هم معها، الالتحاق بالدولة الوطنية السورية، منعًا لأي حرب جديدة، لايريدها السوريون، بل إنهم سئموا المزيد من هدر الدماء، وكفاهم ماحل بهم حتى الآن، ولن تنفع (قسد) كل تعويلاتها على الأميركان والإسرائيليين، وهذه مسألة غاية في الأهمية، لابد من فهمها واستيعابها،  إذ لم تعد أميركا / ترامب كما كانت بعد كل تلك الحفاوة بالحكم الجديد في سورية، وكل تلك العلاقات السياسية القوية بين إدارة (ترامب) والرئاسة التركية.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *