شنّت الولايات المتحدة وإسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة حرباً غير معلنة ضد الوجود الإيراني في سوريا. ومع ذلك، أعلنت كل من واشنطن وطهران عن عزمهما تجنّب صراعٍ واسع النطاق، وسط التوترات المتزايدة.
واستهدفت عشرات الغارات الجوية الأمريكية والإسرائيلية كبار القادة العسكريين المدعومين من إيران، ومواقع تخزين الأسلحة الثقيلة، ومصالح إيرانية أخرى في سوريا والعراق، خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ورغمَ تكررِ الضربات التي تستهدف الفصائل المدعومة من إيران في سوريا على مدى السنوات العشر الماضية، فإن الهجمات الأخيرة تشير إلى تصعيد ملحوظ يهدف إلى تقويضِ العمليات الإيرانية في الدولة التي مزقتها الحرب. ويتزامن هذا التصعيد العسكري مع الصراع المستمر في غزة، والهجمات المتكررة على المنشآت العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
وقصفت طائرة إسرائيلية، مطلع الأسبوع الجاري، مبنى سكنياً في منطقة كفرسوسة غرب مدينة دمشق، وفق مصادر متعددة.
وفي حديث لموقع "إيران واير"، قال مصدر في الجيش السوري طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إنّ الغارة استهدفت شقّة في مبنى سكني مجاور لمدرسة إيرانية.
وأكّد المصدر مقتل 3 أشخاص في الهجوم، بينهم مواطنان غير سوريين ومدني سوري أصيب بشظية قاتلة أثناء مروره في المنطقة.
"يضمّ الحي مراكز استخباراتية ومراكز قيادة عسكرية سورية، ويزوره بانتظام ضباط إيرانيون وأعضاء في الميليشيات المتحالفة مع إيران".
وقالت مصادر محلية أخرى لـ "إيران واير" إنّ الموقع استُهدفَ في هجومين منفصلين ليلة الثلاثاء، وفي الساعات الأولى من يوم الأربعاء.
وتقع الهجمات الجوية بشكل شبه يومي على مشارف دمشق أو أجزاء أخرى من سوريا، حيث تتمركز الميليشيات المدعومة من إيران. وكثيراً ما تنسب الحكومة السورية هذه الهجمات إلى إسرائيل.
وقال ضابط في الفرقة الرابعة السورية بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، في رسالة نصية إلى إيران واير: "تستخدم إيران والميليشيات المتحالفة معها هذه المواقع في عملياتها العسكرية والأمنية".
وبحسب الضابط، تشمل المواقع "منشأة لتخزين أسلحة تابعة لحزب الله اللبناني، تضمّ صواريخ دفاع جوي وطائرات مسيرة، يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني. إضافة إلى قاعدة أخرى بالقرب من قرية خربة الورد، تضمّ عشرات المقاتلين التابعين لإيران".
وزعمَ عنصر في المخابرات السورية أنه قام بزيارات متكررة إلى ما وصفه بمستودع للأسلحة الإيرانية، يستقبل الشحنات عبر مطار دمشق الدولي.
وثمّة العديد من مراكز القيادة للحرس الثوري الإيراني، من بينها معسكرات تدريب جنوب منطقة السبينة، قرب العاصمة دمشق.
وأضاف الضابط: "يوجد أيضاً منشأة لتخزين الأسلحة في منطقة مفتوحة جنوب دمشق، يشرف عليها لواء فاطميون، وهي جماعة مدعومة من إيران".
وفي 14 فبراير/شباط، أدّت غارة جوية إلى مقتل عنصرين من الميليشيات الإيرانية في المناطق الريفية قرب دير الزور. وبحسب عضو في ميليشيا محلية تتلقى الدعم من العراق، هاجمت القوات الأمريكية قاعدة عين علي، القريبة من الحدود العراقية، والتي كانت تُستخدم لشنّ هجمات على الجنود الأمريكيين.
وبحسب ناشط يراقبُ الوجود الإيراني في سوريا، "جاء هذا الهجوم بعد ليلة من تبادل القصف المدفعي المكثف بين القوات الأمريكية والإيرانية".
وقال الناشط إنّ "الأعمال العدائية بدأت عندما شنّت القوات المحلية المتحالفة مع إيران هجوماً على حقل عمر النفطي، حيث تتمركز القوات الأمريكية".
وفي رسالة إلى موقع إيران واير، قال قائد محلي لميليشيا متحالفة مع طهران في سوريا إنّ "الشخص المسؤول عن إطلاق الهجمات الصاروخية نحو حقل عمر النفطي، حيث تتمركز القوات الأمريكية، هو لبناني عضو في حزب الله، مكلف بتوفير الدعم المالي والتدريب على استخدام ونشر الصواريخ الإيرانية من نوع ميثاق، والمقذوفات الهجومية الأخرى".
ووقعت إحدى أشدّ الضربات ضد المصالح الإيرانية في سوريا، في 20 كانون الثاني/يناير، عندما قُتل 5 أعضاء في الحرس الثوري الإيراني في دمشق.
وأدانَ الحرس الثوري في بيان ما وصفه بـ"العدوان الصهيوني الغاشم والإجرامي على دمشق".
وقال ضابط المخابرات السوري إنّ الطائرات الإسرائيلية شنّت في 9 فبراير/شباط غارة على فيلا بالقرب من العاصمة السورية، كانت تستخدمها الميليشيات الإيرانية ومقاتلو حزب الله.
وفي 6 فبراير/شباط، أصابت غارة جوية إسرائيلية فيلا في مدينة حمص، بمثابة قاعدة لقادة الميليشيات الإيرانية. وأدّى الهجوم إلى مقتل ملازم أول في قوات الدفاع الجوي السورية، وإلى تدمير العديد من الآليات العسكرية وأسلحة الدفاع الجوي.
وفي صباح 2 فبراير/شباط، أدّت غارة جوية إسرائيلية أخرى على السيدة زينب في ضواحي دمشق إلى مقتل المستشار العسكري للحرس الثوري سعيد علي دادي.
كما أدّى هجوم إسرائيلي بالقرب من دمشق، في 29 كانون الثاني/يناير، إلى مقتل العديد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني.
وفي أوائل فبراير/شباط، استهدفت سلسلة من الغارات الجوية الأمريكية مواقع متعددة للميليشيات التابعة لطهران في دير الزور، رداً على هجوم بطائرة مسيّرة وقع في 28 يناير/كانون الثاني على قاعدة عسكرية في الأردن، وأسفرَ عن مقتل 3 جنود أمريكيين.
وقالت الولايات المتحدة إنها استهدفت منشآت مرتبطة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والفصائل التابعة له العاملة في العراق وسوريا.
وذكرَ بيان أنّ قاذفات بعيدة المدى من طراز (B1) شاركت في عملية القصف، انطلاقاً من الولايات المتحدة.
وركّزت الضربات على 85 هدفاً في 4 مواقع داخل سوريا و3 في العراق. وأضاف البيان أنّ تنفيذ العملية استغرق 30 دقيقة.
وقال مسؤول عسكري سوري إنّ الغارات الجوية ركّزت على منشآت تخزين الأسلحة والذخيرة التي تستخدمها الميليشيات الإيرانية، وهدمت فيلا في مدينة الميادين بريف دير الزور، كانت مملوكة لقائد كتيبة أبو الفضل العباس. واستهدفت مبنى يسمى المطبخ الإيراني، كان بمثابة موقع مركزي لإعداد الطعام للميليشيات الإيرانية المنتشرة في المدينة.
وفي العراق، استهدف القصف مقراً لحزب الله العراقي. وبحسب المسؤول أسفرَ عن مقتل القائد العسكري المعروف باسم أبو بكر، قائد وحدة الطائرات المسيّرة التابعة لكتائب حزب الله.
وفي سلسلة تصريحات صدرت عام 2020، قال مسؤولون إيرانيون وسوريون إنّ الوجود الإيراني في سوريا يقتصر على المستشارين العسكريين الذين يدعمون الجيش السوري في عملياته.
وقال الرئيس بشار الأسد، في مقابلة مسجلة مع روسيا اليوم، في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إنه لا وجود لقوات إيرانية متمركزة على الأراضي السورية، وإنّ طهران أرسلت خبراء عسكريين لتقديم الدعم الاستشاري للجيش.
وخلال مؤتمر صحفي في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أنّ طهران نشرت قوات خاصة في سوريا للعمل كمستشارين عسكريين، طالما دعت الحاجة. وحذّر أيضاً من أنّ بلاده ستوجّه "رداً ساحقاً" على أي شخص يعرقل مهمتها في سوريا.
وكشفَ تحقيق لـ "إيران واير" عام 2021 أنّ إيران استعاضت عن نشر قواتها في سوريا بتقديم الدعم للجماعات المحلية، وكذلك الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية التي تسيطر عليها.