هناك واجبات تفرض علينا منها واجبات إنسانية وأخرى عقائدية وأخرى تفرضها الأعراف والقيم الاجتماعية. فبالنسبة للواجب الأول فهو واجب يمليه البعد الإنساني، وهو ما أمر به الإسلام وحث عليه نبينا المصطفى (صل الله عليه وسلم) في الحديث الشريف (خير الناس أنفعهم للناس). وهنا استخدم النبي كلمة "الناس" دون تمييز لدين أو لعرق، وهو بهذا يقول أن خدمة الناس أمر تفرضه القيم الإنسانية ومن يرى في نفسه إنسانا عليه أن يسعى في حاجة بني جنسه . أما الواجب الثاني فهو واجب إنساني عقدي والتخلي عن القيام به يعرض المسلم لعقوبة إلهية باعتباره تخلى عن واجبه إنسان مسلم . فالمسلم مكلف بتنفيذ الأوامر الإلهية وهو أمر مرتبط بموضوع "الولاء والبراء". وموضوع وجوب الدفاع عن المقدسات الإسلامية وعن الشريعة والأمة والثغور وغيرها من الأمور الأخرى التي أوجب الإسلام على كل مسلم أن يدافع عنها كلٌّ بحسب طاقته و ظرفه وإمكانياته. أما الواجب الثالث فهو واجب اجتماعي تفرضه القيم والأعراف الاجتماعية النبيلة ومنها، نصرة المظلوم ومساعدة الضعيف وإعانة العاجز وإعالة الفقير، فهذه قيم اجتماعية إنسانية ودينية أيضا وهي من صلب هويتنا العربية الإسلامية. ولذا فإن الاهتمام بقضية فلسطين عامة ومدينة القدس والمسجد الأقصى خاصة، هي قضية إنسانية إسلامية وقيمة اجتماعية كذلك. ولهذا نقول لمن يدّعي أن فلسطين قضية الفلسطينين وحدهم، وأن القدس والأقصى قضية المقدسيين ولسنا مسؤولين عنها، نقول له أنت شخص منزوع الإنسانية أولاً، وبعيد عن الإسلام ثانياً، وبعيد عن القيم الاجتماعية والقيم الأخلاقية ثالثاً. إن فلسطين والقدس والأقصى كلها قضية واحدة فرضتها علينا واجباتنا الإنسانية والإسلامية وقيمنا العربية، بل هي من أولى الواجبات. ومن هنا نسأل هل كان سيدنا عمر بن الخطاب فلسطينياً حين ذهب إلى القدس وحررها من الروم؟ هل كان الأمير المجاهد صلاح الدين الأيوبي فلسطينياً حينما خاض حرباً من أجل القدس وحررها من ايدي الصليبيين؟ وما قبل وما بعد صلاح الدين كم من قائد وجندي عربي ومسلم قتلوا من أجل فلسطين والقدس والأقصى فهل كل أولئك كانوا فلسطينيين؟. إن من يزعم اليوم أن القدس والأقصى قضية الفلسطينين وحدهم فهو يجرنا إلى التخلي ليس عن أهلنا وإخواننا في تلك الديار وحسب، بل يريدنا أن ننسلخ من عقيدتنا ومن إنسانيتنا ومن مبادئنا وقيمنا العربية، وهو يجرنا للتخلي تدريجياً عن مسؤوليتنا في الدفاع عن إخواننا في اليمن والعراق والشام، ويريد أن يجرنا مستقبلاً للتخلي عن أي تهديد قد تتعرض له مكة المكرمة والمدينة المنورة و المملكة عامة. إننا أمة واحدة موحدة بهويتها الإسلامية وحضارتها الإنسانية وقيمها الاجتماعية ومن يسعى لدفعنا للتخلي عن واجباتنا تجاه مقدساتنا وأشقائنا في فلسطين فهو إنما يريد أن يضرب قضيتنا الأحوازية ويكذب حين يزعم أنه يريد نصرتها. كائناً من كان ذاك، فرداً كان أو جماعة. *رئيس المؤسسة الأحوازية للثقافة والإعلام.
الأربعاء, 4 ديسمبر 2024