الأحد, 8 سبتمبر 2024

قراءة في دفتر الأمراض المزمنة لاحتلال العراق

166 مشاهدة
منذ 6 سنوات

العرب - حامد الكيلاني تمنى جورج دبليو بوش الابن في كلمة له بعد احتلال العراق بمدة قصيرة، ألّا يموت أيّ عراقي ولو لأسباب طبيعية حتى يسعفه الحظ بالتعايش مع نعيم الديمقراطية ومباهج التغيير في بلاده، وما سينتج عنها من امتداد للحريات السياسية في الشرق الأوسط. اليوم بعد 15 سنة على غزو الديمقراطية الأميركية لبلاد الرافدين يتمنى العراقيون أن تطول أعمارهم لتتسنى لهم رؤية نهاية عملاء الاحتلال ومشاريعهم التي شوّهت، وبدم بارد، تاريخ النظم السياسية وما اجتهدت وضحّت من أجله البشرية لتكون الديمقراطية حقيقة في متناول الشعوب عندما تتوفر لها فرصة اكتشاف حقها في الحياة والعدالة والتقدم والتنمية. إذا جاز لنا أن نَصِف 9 أبريل 2003 بيوم ولادة جسد الاحتلال الأميركي للعراق، فإن ذاكرة كل يوم 9 أبريل بعد سنة 2003 تؤكد لنا نموّ واكتمال مضمون الاحتلال الإيراني في ذلك التكوين الغريب من شكل الاحتلال القادم من خلف البحار والمحيطات. الاحتلال الأميركي للعراق، وبتوصيف إدارة البيت الأبيض له فيما بعد بالخطأ أو بالغلطة الاستراتيجية، يبين التعتيم المتعمّد لسلسلة من الأخطاء المتعمّدة بعد الاحتلال، أدّت إلى تكوّن كتلة كبيرة من الخلايا السرطانية الإيرانية التي تفاعلت مع غلطة أميركية هجينة عن العراق والمنطقة. احتلال العراق من قبل إيران حدث في اليوم الذي استولى فيه ملالي طهران بزعامة الخميني على مقاليد السلطة في إيران وبدعم صريح من الغرب، رغم أن العلاقات بين إيران والعراق لم تكن على ما يرام في زمن الشاه والدليل أن النزاعات الحدودية كانت شبه مستمرة. الخميني بسيرته وحياته في محافظة النجف كلاجئ سياسي تحت حماية الدولة العراقية، اكتسب خبرة عملية بتواصله مع طبيعة المدارس الفقهية وتوجهات رجال الدين والحركات السياسية ذات المنشأ المذهبي والطائفي المتشدد، مع دراية بتاريخ الأسر والعوائل المتنفذة كمراجع لها من الأتباع، ما يمكن استغلاله كجسر عابر للمبادئ الوطنية. عمل الخميني على إذكاء العنصرية المذهبية منذ الأيام الأولى لاستلامه السلطة في إيران بمبررات جاحدة لضيافة العراق له ولأتباعه، وظل يتوكأ مع مجموعة العملاء الحاكمة والقابضة على السلطة الآن برواية طرده من العراق، رغم أن الأسباب تتعلق بخشية الدولة العراقية من خرق الاتفاقات الثنائية بين البلدين، بما يتعلق بالذات بالتحريض على قلب نظام الحكم لوجود نشاط سياسي معارض من داخل العراق يقوده الخميني. ربما كانت فكرة التحريض وامتناع العراق عن دعم الخميني كمعارض ضد نظام الشاه، يمكن لهما أن يكونا بداية مثالية لعلاقات متوازنة بين نظام الخميني والنظام السياسي في العراق، باعتبارها تجربة ملموسة لالتزام العراق بحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية، مع نسبة مضافة من العرفان بالجميل بالإيواء والحماية، بل وحتى التضحية ببعض الضباط من العراقيين لضمان سلامة الخميني مع مرافقيه أثناء وجودهم في العراق. لماذا كان مضمون احتلال إيران للعراق حاضرا عند الخميني منذ بداية حكمه؟ يعود ذلك لجذوره السياسية والفكرية والعقائدية التي تتبنى إحياء حلم الإمبراطورية الفارسية باعتمادها الدائم على دعامة دينية مختلفة، وإن تمّ استبدالها عبر القرون لكنها كانت عنوانا لمعبر برّاق يتجاوز المعايير الخاصة المعترف بها كحدود فاصلة بين المجموعات البشرية، وآخرها الحدود السياسية التي تشكلت بموجبها الدول في الأزمنة الحديثة. الهروب المذل للحركات والأحزاب السياسية المذهبية والطائفية من العراق إلى إيران كان إشارة مبكرة لاختيار التعصب الطائفي الذي يعلو على المواطنة، ولما سبقه من نزعات لا شك في أنها كانت تسعى لتقويض الأمن أولا، والتلويح أيضا بتطلعات مذهبية صرفة تبلورت فيما بعد بالطائفية السياسية. كان هؤلاء من حَمَلة الجنسية العراقية في إيران حلقة خطيرة تدبرت أمرها منظومة ولاية الفقيه واستخدمتهم بمختلف الاتجاهات في قمع الأسرى العراقيين وتجنيد بعضهم وزجهم في معسكرات، تحولت بعد الاحتلال الأميركي إلى ميليشيات جاهزة ومدربة ومعبّأة، وكانوا سابقا همزة الوصل مع الإرهابيين داخل العراق وتحديدا في العمليات التي استهدفت المؤسسات أو المدنيين في بغداد بما يتطابق مع أسلوب التوقيتات الإرهابية ومقاصدها السياسية بعد الاحتلال. لكن الأخطر كان في مهمة التنسيق بين ملالي طهران والولايات المتحدة الأميركية بطروحات المعارضة والمؤتمرات سيئة السمعة، التي أنجبت الغلطة الأميركية المتعمّدة لاحتلال العراق بما تمّ تحقيقه من أهداف غير معلنة بدت في اختصارها بأسلحة الدمار الشامل، أو باعترافها بأكذوبة امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وهي الأكذوبة التي تحوّلت فيما بعد إلى مجرّد خط رجعة محسوب أمام المجتمع الدولي كوسيلة تغطية للأسباب الجوهرية لاحتلال العراق. الولايات المتحدة الأميركية لم تسلم العراق إلى إيران بعد الاحتلال، بل سلمته إلى قادة أحزاب وميليشيات وأفراد تابعين بالمطلق إلى المشروع الإيراني، وتعهدت لهم بإسقاط النظام السياسي بالاحتلال المباشر والتواطؤ الفاضح في إدامة الحصار على العراقيين، رغم أن العملاء قدموا أنفسهم لأميركا كقوى سياسية خائبة لا حول لها ولا قوة في تغيير النظام وفاقدة لأي برنامج لإدارة الدولة، أو حتى برنامج مسبق يحفظ لهم بعض كرامة، ولو بالتوافق مع القوات الأميركية لتقديمهم كقادة عراقيين لدولة عراقية ولو محتلة. لكنهم كانوا تلاميذ صغارا في مدرسة التربية الطائفية الإيرانية تلقوا فيها علومهم في الإرهاب ضد أبناء جلدتهم في معتقلات الأسر، وحملوا السلاح ضد جيش العراق في تدريب مستمر استعدادا ليوم الاحتلال المشين. أمثلة عديدة عن كيفية تعامل القوات الأميركية مع عملاء سلطة الاحتلال، لكن ذلك يجرح كرامة أبناء جلدتنا، مع دراية شعبنا بأنهم مجموعة إمّعات من المستلبين والخونة، وكل فئة منهم تتكون من قوى متناحرة امتهنت الاقتتال والتصفيات، وأيضا التكالب والازدحام كقطيع الذئاب عند المغانم، كما هي الحال عند كل بوابة للانتخاب. 15 سنة على الاحتلال الإيراني للعراق بحكوماته المتعاقبة التي لم تغادر قرارات الحاكم المدني لسلطة الاحتلال الأميركي بول بريمر، إذ لو كان لهؤلاء العملاء الصغار أدنى كرامة تجاه أنفسهم وتجاه شعب العراق ومصيره ومستقبله لتمّ إلغاء جميع القرارات، لأنها على أقلّ تقدير تمثل عارا مستمرا لهم يذكرهم بتبعيتهم وخيانتهم وهشاشة سلطتهم؛ فالاحتلال لا يُختصر في سرفات الدبابات أو بالدوريات المدرعة أو الجوية، إنما هو قرارات وتشريعات تسري في مفاصل الدولة والشعب كما الأمراض المزمنة. تحت خط الصمت على جرائم حكومات الاحتلال المزدوج للعراق، أسئلة تتعدّى الخطأ أو الغلطة الاستراتيجية أو دراما العلاقات الأميركية الإيرانية ذات الإنتاج المشترك؛ أسئلة تحققت خلالها أمنية جورج دبليو بوش الابن برؤية الديمقراطية الأميركية في العراق والشرق الأوسط.. لكن ماذا عن أمنية العراقيين؟

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *