الخميس, 26 ديسمبر 2024

د.حسام عقل يكتب: عاجل إلى يوسف زيدان: حقارة الناصر.. أم حقارة النخبة؟!

472 مشاهدة
منذ 8 سنوات

عاد الكاتب الروائي د ( يوسف زيدان ) _ ليس له صفة بارزة في تقديري سوى صفة القاص ، و دعك من مصطلح ” المفكر ” الذي ابتذلناه ، فزيدان  بالقطع ليس مفكرا ً ! _ أقول عاد الرجل لينصب مجددا ً ( مصطبته ) بعد طول غيبة ! و ليشكل  من جديد ، بمشاكساته ، المادة الخام  للميديا  و منابر الإعلام  المختلفة  ، بعد أن ظهر مع ( عمرو أديب ) في أحدث حواراته الإعلامية ، ليصف القائد التاريخي الأشهر ” الناصر يوسف الأيوبي ” ( أو ” صلاح الدين الأيوبي ”  كما لقبه المؤرخون  ) بأنه : ” ..أحقر شخصية في التاريخ ” ! ! تأكدنا أن ” زيدان ” في كامل قواه العقلية و لم يتعاط شيئا ً أو يبتلع أقراصا ً تعطل الوعي و تنسينا قدر الكلمات و مواقعها ! و تأكدنا أن زيدان قصد إلقاء قنبلة الصوت _ بتعمد مفضوح _ حيث عقب قائلا ً بنظرته المتحدية / المتعجرفة : ” يا لا عشان تبقى مانشيت للصحف ..! ! ” و لم يكمن الاستفزاز في العبارة الفجة الغوغائية  التي تتنكر لكل حقائق التاريخ و لا تبالي  بميراث الناس وولاءاتهم و حفاوتهم المفترضة برموزهم التاريخية الكبيرة ، و لا في التعقيب الأكثر فجاجة  الذي يتجاهل أقدار الزعامات و ينزلها منازلها  و يعاملها بما ينبغي من الموضوعية و الاحترام ، مع مراعاة هوامش التحفظ و الحق في تأكيد السلبيات و الإيجابيات على السواء ،  و إنما يكمن الاستفزاز في خلطة الضحالة و الاستسهال و الخفة الشديدة في الطرح ، و ضرب الأسس الأخلاقية في التقييم و التخاطب ، و تجنب التوثيق و الاستخفاف بعقول المستمعين ، و دحرجة الألغام _ بنزق _ لرأي عام ( ملغوم )  بطبيعته و محتقن من الأصل ! و عندما ينصب ” زيدان ” مصطبته ، فاعلم أن السلطة مأزومة  تحاصرها خيوط المحنة ، غارقة في الفشل حتى الآذان ! فزيدان يعرف جيداً _ بالتفاهم التام مع السلطة _ حدود دوره و نوع هذا الدور و متطلباته ، و توقيتاته الدقيقة أيضا ً ! مطلوب من زيدان أن يكون بوق السيارة الضخم ، الذي يتعين أن يطلق صفيرا ً عاليا ً مزعجا ً ، للتغطية على أصوات أخرى لا يتعين أن نسمعها ، او ننصت لإيقاعها المخيف ، المنذر بكارثة ! و قد تعالى في الأيام الماضية صوت فضيحتين ، تجاوبت معهما الصحافة العالمية تجاوبا ً كبيرا ً ، و تعاملت معهما بكثافة كبيرة في الطرح و النشر ، بما يعكس قلقا ً حقيقيا ً . أما الكارثة الأولى فهي قضية رشاوى السجائر ( المارلبورو ) في السفن العابرة لقناة السويس ، و كان ينبغي على السلطة بإزاء كثافة التعاطي للصحافة العالمية مع القضية ، أن تصدر بيانا ً للتفنيد أو التكذيب أو التوضيح ، و لكنها لم تفعل و إنما لجأت ل ( الغلوشة ) على الأصوات الغاضبة بإطلاق بوق السيارة الضخم ( أعني زيدان ! )  لحرف المسار  ، و توجيهه باتجاه موضوع آخر  لقتل الصوت الأصلي و إبراز صوت آخر مفتعل ! و أما الفضيحة الأخرى فهي قضية  اغتصاب السائحة البولندية ، التي شهدت تفاعلا ً كبيرا ً في الدوائر الإعلامية و الصحفية العالمية ، و كالعادة بدلا ً من أن تفند السلطة أو توضح ، ناشدت البوق الكبير الزاعق المزعج أن يتدخل ، للتغطية على الصوت الأصلي ، في إطار ( نظرية الإلهاء الاستراتيجي ) ، التي تحدث عنها بتوسع المفكر الكبير ” تشومسكي ” ! و المدهش هنا درجة التجرؤ ، و سقف الاستباحة المذهل  بإزاء الإسلام ، فكرة و تاريخا ً و رموزا ً ، و هو السقف الذي لم نشهده في أي عهد من العهود ! و المدهش _ بالقدر نفسه _ درجة رضا السلطة عن هذه الاستباحة المجنونة ، بل و كفالة الحماية للأصوات الناعقة المستبيحة ، في مقابل تضييق الخناق على الأصوات  الأخرى المناظرة ، التي تسعى في التوضيح و الرد ، و قد وصل هذا التضييق إلى حد غلق قنوات بتمامها و حجب أعمدة صحفية  و الإطاحة بوجوه دعوية و إعلامية بارزة بما يفرض السؤال بإلحاح :  هل هذا توجه مرحلة أم تجاوزات أفراد  ؟! يكاد قلب ” زيدان ” الرهيف أن يتفطر _ حزنا ً و ألما ً _ لأن ” صلاح الدين ” الأيوبي ( الشرير ! ) أنهى الوجود الفاطمي في مصر ، بطريقة عنيفة ! و لم يقل لنا صاحب رواية : ” عزازيل ” ما الذي كان مطلوبا ً  من صلاح الدين لإنهاء دولة قمعية حتى النخاع ، طائفية حتى العظام ، أذاقت المصريين المر و الحنظل و لم تحقق نصرا ً عسكريا ً واحدا ً ضد الخصوم  ! و لم يقل لنا صاحب رواية : ” النبطي ” حرفا ً واحدا ً عن هذا الوجود الفاطمي  و خلفياته الطائفية الدامية ، و كيف تشكل و على جثث من و كيف فرض مخالبه على رقاب الجميع  ، و ما الخسائر الثقيلة التي لحقت بالمصريين  جراء وجوده و تمدده ؟! لم يقل لنا زيدان إن ( صلاح الدين ) ، هو الرجل الذي قدر له أن ينهي وجودا ً استعماريا ً صليبيا ً _ رسميا ً و شعبيا ً ضخما ً _ تشكل في موجته الأولى من خلال ثلاثة جيوش ضخمة مسلحة حتى الأسنان ، قوامها ما يقارب مائة و خمسين ألف رجل و امرأة ، مدعومة بهيئات دينية ، بالغة التعصب ، ممثلة في جماعات (الاسبتارية ) و ( الداوية ) الشعبية واسعة الانتشار في أوروبا آنذاك ! حيث نجح الصليبيون في موجة الزحف الاستهلالية في تشكيل عدة إمارات صليبية في أحشاء العالم الإسلامي في إطار أخطر عملية استيطان . و لم يقل لنا زيدان إن الدولة الفاطمية التي يتباكى لغروبها ، قد تحالفت _ علنا ً _ في أخس حلف يمكن تصوره مع القوات الصليبية ، ضد المسلمين أنفسهم ، على نحو ما صنع ” الأفضل شاهنشاه ” ، أو على نحو ما حدث في صراع الوزيرين الفاطميين ” ضرغام ” و ” شاور ” ، حيث استعان ضرغام مجددا ً بالقوات الصليبية مرة أخرى و كأن التحالف المتواطيء مع الخصوم جين وراثي يجري في دمائهم ! لم يقل زيدان إن الدولة الفاطمية / العبيدية ( 358 _ 567 هجرية ) التي يذرف دمعا ً ساخنا ً لرحيلها عن الخارطة ، قد ألحقت بالمصريين ، و بالمسلمين في منطقة الشمال الإفريقي ظلما ً  متغطرسا ً لا يمكن تصوره ، فأتلفت مصنفات أهل السنة و مؤلفاتهم بتبلد ، و حرمت الإفتاء على مذهب ” مالك ” ، و منعت ألوف العلماء من التدريس ، و بالغت في إذلال الجميع بالدخول بالخيل داخل المساجد و قذفها بالبول و الروث . و لم يقل لنا عملاء الدولة الفاطمية الجدد _ من خلال متحدثهم الرسمي الجديد ! _  إن هذه الدولة قد قطعت لسان المؤذن ” عروس ” لأنه لم يقل في أذانه : ” حي على خير العمل ” ، ووضع الطواغيت الفاطميون  لسانه بين عينيه و طافوا به في ” القيروان ” ثم قتلوه ليكون عبرة ! لم يقل لنا من نظموا القصائد  العصماء في حنان الدولة الطائفية ، إن دولتهم الفاطمية الحنون ، قد قتلت ” ابن الحبلى ” في ” برقة ” لأنه أفتى بألا فطر إلا مع رؤية الهلال ! لم يقل لنا الحالمون الفاطميون الجدد ، إن الفاطميين _ في زمن ” المعز ” _ قد نكلوا بالفقيه الأشهر في الشام : ” أبي بكر النابلسي ” ، فضرب بالسياط ثم تم سلخه كالأرنب ! حيث ” سلخه صاحب مصر ” كما جاء في : ” شذرات الذهب ” ! و هم الفاطميون أنفسهم الذين قتلوا نحوا ً من أربعة آلاف من العلماء ، لأنهم ترضوا عن الصحابة ! ( راجع : ” السير ” للذهبي ) و هم الفاطميون _ المتسامحون جدا ً _ الذين هدموا الكنائس و شددوا على النصارى في زمن الحاكم بأمر الله ، و وضعوا أسماء الصحابة على رؤوس الكباش المذبوحة على أبواب الحوانيت ( راجع : ” الكواكب الدرية في السيرة النورية ” ص 204 _ 205 ) و هم أنفسهم الذين منعوا التجمعات مطلقا ً ، و استولوا على الأحباس ( أي أموال الوقف الخيري ) ( منتهى التسامح و عفة اليد و احترام الحرية ! ) دلني يا فقيه العصر و مفكر كل الأزمان  ، يا صاحب ” عزازيل ” على جريمة إنسانية منحطة  واحدة لم يرتكبها هؤلاء من خلال تشكيلاتهم العصابية التي حكمت مصر و الشمال الإفريقي ، و قد انتهى حكمهم _ كما يقول المؤرخون الثقات _ بالقضاء على ثلث المصريين تقريبا ً فيما أثبتت الإحصاءات الديموجرافية ( السكانية ) للفترة ! ففيم التباكي ؟! التاريخ الذي تطرحه مصطبتك المنصوبة مع ( عمرو أديب ) شيء ، و التاريخ الحقيقي شيء آخر ، أعني التاريخ الذي نقرؤه في ” كنز الدرر ” لأبي بكر الدواداري ، أو ” مفرج القلوب ” لابن واصل ، أو ” السلوك لمعرفة دول الملوك ” للمقريزي ، أو ” الكامل في التاريخ ” لابن الأثير . و”صلاح الدين ” ليس بحاجة بالقطع لشهادتك، فقد ظفر بعدة شهادات جادة _ من خصومه قبل أصدقائه _ و تحت يدي كتاب ضخم بعنوان Saladin للمؤلفين المرموقين ” مالكولم ليونز ” Malcolm Lyons و د . جاكسون D . Jackson ، و يقع فيما يزيد على ثلاثمائة و سبعين صفحة ، حيث تحدث المؤلفان _ بالأدلة لا بلغة المصاطب المجانية ! _ عمن يسميانه ” بطل الحرب المقدسة ” champion of the holy war ( ص 155 ) لأنه ألغى الضرائب الباهظة و عبد الطرق و أقام المستشفيات الكبيرة  و أبرز جهودا ً إنمائية و سلمية ، فضلا ً عن جهده العسكري و هو ما جعله يستوطن قلوب المصريين و يظفر بدعم شعبي واسع ، هذا هو ( صلاح الدين ) في ضمائرهم ، برغم أية تجاوزات أو أخطاء بشرية ( مطبوعات جامعة كمبردج / 1984 ) فهو الرجل الذي حظي ب ” موجة الدعم الجماهيري الكبير ” wave of popular support ، و لن أعرض هنا لآلاف المطبوعات و الدوريات و الشهادات التي تشكلت في الضفة الأخرى ، أعني المنطقة الأوروبية بتمامها و هي شهادات تضافرت على احترام الرجل  ، و ثمة نصوص أدبية أوروبية تحدثت   _ صراحة _ عن فروسيته النبيلة التي تكاد تقترب من دائرة الأسطورة La legende de Saladin و تحدثت بإعجاب عن زيارته لمستشفى ( القديسة جان دارك ) لعلاج مرضى القوات الصليبية  و جرحاها بنفسه ! هل يستحق وصف الحقارة من قام بتحرير اثنتين و خمسين مدينة  محتلة _ بما فيها القدس _ في ذروة الأوقات العصيبة ؟!  و هل وصل ( عمى القلب )  أو التعامي المتبلد عن رؤية الحقائق إلى هذا المنحدر ؟! من الذي يستحق الوصف ب ( الحقارة ) حقا ً : ” صلاح الدين ” الذي بكاه الناس دما ً و ” مات بموته الرجال ” كما يقول المؤرخون  الثقات ، أم نخبة وظيفية عاجزة ، دأبت على نهش الأعراض من داخل جراب الأنظمة الشمولية ، فخذلت قضية الحرية عند كل منعطفاتها الجادة ، و لم تقل في الدماء المراقة في الميادين ربع كلمة ، و صفقت للقيود بفاشية ، و ( عملت من بنها ) و هي ترى شبابا ً متوردا ً خلف القضبان بلا جريرة أو ذنب ؟! و تظاهرت بالإغماء و هي ترى المصريين يأكلون من فتات المزابل  و آخر أحلام الديمقراطية تتبخر ؟! شكرا ً زيدان فقد كتبت لنفسك كلمة النهاية !

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *