من المعلوم أن الحرس الثوري الإيراني أُسس مباشرة بعد الثورة الخمينية، وبقرار من مرشد الثورة الخميني، وهذا بهدف حماية هذه الثورة والنظام الذي جاءت به، ونشْرها خارج إيران من جهة، وإقامة قوة عسكرية موازية للجيش النظامي من جهة أخرى.
ورغم أن عدد عناصر الحرس الثوري يقل عن عدد قوات الجيش النظامي فإن الحرس الثوري هو القوة العسكرية المهيمنة في إيران، ونشاطه لا ينحصر في الداخل الإيراني فقط بل يتعدى إلى خارج إيران، وهذا للقيام بمهمة نشر الثورة الخمينية وتوسيعها، وهو ما يعرف بمشروع تصدير الثورة.
ولا يتوقف الأمر في الجانب العسكري فقط، بل أصبح الحرس الثوري هو القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية.
فمن الجانب السياسي نجد أغلب قياداته تقلدوا مناصب سياسية مرموقة كوزراء ومستشارين وغيرها.
وفي الجانب الاقتصادي فإن الحرس الثوري سيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني، وهذا من خلال سيطرته على العديد من المؤسسات الاقتصادية والصناعية والصناديق المالية وغيرها.
والحرس الثوري دوره بارز خارج إيران، سواء ما تعلق بالعمليات العسكرية في سوريا والعراق ولبنان واليمن، أو ما تعلق بالعمل الدبلوماسي من خلال وجود عناصره في كل سفارات وقنصليات إيران عبر دول العالم، وهذه العناصر هي من تقوم بالمهام الاستخباراتية.
كما أن للحرس الثوري معسكرات وثكنات تدريب خارج إيران، وهذه المراكز تدعم حلفاء إيران في الخارج كنظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن.
والحرس الثوري يبسط نفوذه حتى على مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات، ومن هنا أصبح للحرس الثوري دور بارز في رسم السياسة الإيرانية وتوجيه اقتصادها.
وهناك تقرير استراتيجي أصدره مؤخراً مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية يُظهر تدخل الحرس الثوري في الاقتصاد والانتخابات الرئاسية الإيرانية.
وكما هو معلوم فإن نظام ولاية الفقيه يسعى لتصدير نسخة الحرس الثوري وموازاته مع الجيش النظامي إلى العراق، بحيث يكون الحشد الشعبي هو القوة العسكرية الموازية للجيش العراقي، وفي لبنان على أن يكون تنظيم حزب الله هو القوة الموازية للجيش اللبناني، ونفس الصورة مع جماعة الحوثي في اليمن.
وإذا نظرنا إلى الصراع بين حسن روحاني والحرس الثوري نجده واضحاً كل الوضوح، خاصة من خلال الانتقادات الدائمة، سواء أثناء حملته الانتخابية أو أثناء حكمه، التي يوجهها للحرس الثوري على خلفية الانتكاسات التي لحقت بالاقتصاد الإيراني نتيجة بسط سيطرته على العديد من القطاعات الاقتصادية المهمة والحساسة في إيران؛ حيث يذهب روحاني إلى فتح الباب أمام الشركات الأجنبية للاستثمار داخل السوق الإيرانية، وهذا ما لا يريده قادة الحرس الثوري ومؤيدوهم، وعلى رأسهم مرشد الثورة.
ومن هنا يكون الخلاف بين روحاني والحرس الثوري هو خلاف على الملف الاقتصادي فقط، وبالنسبة للقضايا الخارجية فهم على توافق تام.
وتذكر مصادر أن الحرس الثوري يحصل سنوياً على نحو 12 مليار دولار من التجارة غير المشروعة، يخصص نسبة كبيرة من هذه الأموال لتمويل التنظيمات الإرهابية التي يستعملها في نشر الخراب والقتل والدمار لتحقيق المشروع التوسعي الإيراني، كما تذهب نسبة منها إلى تطوير البرنامج النووي الإيراني، وصناعة الصواريخ الباليستية ومختلف الأسلحة.
ومن هنا فإن عقيدة نظام ملالي إيران هي زعزعة استقرار المنطقة العربية بالأخص من خلال نشر الفوضى والتحريض على الطائفية، والدعم الخفي والعلني للإرهاب، وخير دليل ما هو حاصل اليوم في سوريا والعراق واليمن وغيرها.
سياسة نظام الملالي في نشر الخراب والقتل والتدمير داخل الجسم العربي استهلكت- وما زالت تستهلك- الكثير من أموال وثروات الشعب الإيراني الذي يعاني مختلف الأزمات، وخاصة الاجتماعية منها؛ كالفقر، وارتفاع نسبة البطالة، وانتشار الأمراض، وانعدام الرعاية الصحية الكافية، وتفشي ظاهرة الإدمان على المخدرات، كل هذه المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع الإيراني تفسر شيئاً واحداً وهو الفشل الواضح في تسيير شؤون البلد، وهي نتيجة حتمية لهيمنة الحرس الثوري على مفاصل الاقتصاد الإيراني، ومن ثم فالوضع الاجتماعي معرض للانفجار في أي وقت.
كل هذه الأوضاع الاجتماعية الداخلية المتأزمة يُضاف لها الوضع السيئ الذي تعيشه الشعوب غير الفارسية؛ من تهميش، وتمييز عنصري واضح، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، والإعدامات الميدانية، والإعدامات خارج نطاق القانون، والاختفاءات القسرية، والاعتقالات، مما ولّد رد فعل كبيراً لدى الشعوب غير الفارسية، وفي مقدمتهم الشعب العربي الأحوازي.
هذه الشعوب هي في الأصل شعوب مستعمرة من طرف إيران، كبلاد الأحواز العربية، حيث نشهد الكثير من العمليات العسكرية التي يقوم بها شباب من الأحواز ومن البلوش في العديد من المناطق الخاضعة لنظام الملالي.
ومن هنا نستطيع القول إنه يجب على الدول العربية، وبالأخص دول الخليج العربي، التفكير بكل جدية لاستغلال هذا الوضع الإيراني الداخلي المتردي، وتقديم كل أنواع الدعم للحركات التحررية، وعلى رأسها حركات التحرر الأحوازية، لأن عقيدة ملالي إيران واضحة؛ وهي اعتمادها على تغذية النزاعات الطائفية بين الشيعة والسنة، ونتيجة هذه السياسة الشيطانية ستكون وخيمة على النسيج الاجتماعي والأمن القومي للدول العربية التي لها عدد معتبر من المواطنين الشيعة.
الخليج أونلاين
الجمعة, 22 نوفمبر 2024