الرئيس الإيراني حسن روحاني المحسوب على الإصلاحيين، كان ممثل المرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لدى تشكيله، ثم شغل منصب أمين المجلس لمدة 16 عاما متواصلة، من 1989 إلى 2005، كما كان بدءا من 2003 ممثل إيران في مفاوضات الملف النووي مع الجانب الأوروبي.
في كلا الموقعين خلفه علي لاريجاني، القيادي السابق في حرس الثورة الإسلامية في إيران، الرجل المقرب من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، فهذه مواقع محورية حساسة في بنية النظام السياسي الإيراني، وصياغة سياسته العسكرية والأمنية ومصالحه العليا.
هذا يلخص معنى ثنائية "الإصلاحيون والمتشددون" في النظام السياسي الإيراني، لأن كلمة الإصلاحيين توحي للناس بأنهم حمائم سلام في المنطقة، يريدون تحويل إيران إلى دولة منفتحة على الجميع، لا توسعية ولا تحكم الإقليم بالميليشيا. وليس هذا صحيحا على الإطلاق. فهم أيضا يريدون إيران دولة بابوية إسلامية، على غرار دويلة روما في العصور الوسطى، دولة يحكمها البابا بنفسه، كسلطة زمانية ودينية أعلى، ملهمة بالحكمة الإلهية ومعصومة. كل الفارق أن البابا في دولة إيران اسمه الولي الفقيه، المرشد الأعلى.
في دويلة روما كان إلى جوار البابا مجموعة من الكاردينالات، بعضهم أكثر تزمتا من الآخر، لكنهم جميعا أعمدة نفس النظام السياسي، وكان البابا يستشيرهم في الأمور السياسية والإدارية، ويأخذ برأي الأغلبية إن أراد. لكن هذا لم يجعل الدويلة نظاما انتخابيا، إذ الجميع تحت سلطة البابا وسقف توجيهاته الملهمة. وهكذا النظام في إيران، الجميع تحت سلطة الولي الفقيه، وتوجيهاته الملهمة.
حسن روحاني يشغل منصب رئيس الجمهورية، وهو لقب مضلل لأن رئيس الجمهورية عادة هو السلطة التنفيذية العليا، القائد الأعلى للجيش، وصاحب قرار السلم والحرب.
لكن في الحالة الإيرانية المنصب لا يعدو كونه "كبير الوزراء"، فصاحب القرار الحقيقي شخص واحد غير منتخب، بل يتمتع بسلطة انقرضت من العالم، ولم يعد لها سوى وجود متحفي رمزي في "دولة الفاتيكان"، الفرق بين دولة الفاتيكان ودولة إيران أن الولي الفقيه - المؤيد إلهيا - قد يمتلك أسلحة نووية في غضون سنوات معدودة. وهذا الولي الفقيه أظهر من سلوكه السابق أنه يريد إعادة كتابة التاريخ، لكي يحكم النسل المشترك بين النبي وكسرى (نسل الحسين بن علي وشهربانو بنت كسرى يزدجرد) المسلمين والعالم، إيذانا بعودة صاحب الزمان، المهدي المنتظر.
ليس هذا عقيدة مجازية تقبع في ركن مستتر من عقله، لا، بل عقيدة في الصدارة من خطابه ومن فعله ومن رسم سياساته.
حسن روحاني يشغل منصب رئيس الجمهورية منذ عام 2013، ماذا تم خلال الأعوام الأربعة السابقة منذ جاء إلى الحكم بوصفه الإصلاحي العتيد؟ لا شيء في سياسة إيران الخارجية. لا شيء مما يحذرنا جناح في الإعلام العربي والعالمي من فقده لصالح المتشددين.
بالعكس. لقد احتلت ميليشيات إيران القرار السياسي في 4 بلاد عربية، بيروت، سورية، العراق، واليمن، وإيران لا تخفي هذا بل تتفاخر به في تصريحات مسؤوليها، لا تخفي هذا ولو في تسميات الميليشيات التابعة لها. حزب الله في لبنان صار أنصار الله في اليمن، والباسيج في إيران صار الحشد الشعبي في العراق، هذه مجرد ترجمة حرفية لكلمة الباسيج من الفارسية إلى العربية.
ما من منطقة في العالم ترتكب فيها نخبة إعلامية وسياسية جريمة التلاعب الساذج بالعواطف مثل هذه المنطقة، الخطر الداهم آت، وهم يصفقون. الخطر الداهم آت، وهم يروجون بأنه خير يدق على الأبواب. وأنه ينبغي علينا ألا نقلق. ينبغي ألا نقلق أبدا. البطيخ الصيفي وفير ويكفي الجميع.
سكاي نيوز
الأحد, 24 نوفمبر 2024