العرب القطرية-عبد الوهاب بدرخان
هي ليست صدفة، بل ظاهرة تعظم خطورتها أو تقلّ بحسب عوامل متراكمة توازيها أو تحيط بها، من إحباط، وغضب، وانسداد آفاق. فالاحتجاجات الشعبية متوقّعة، وتكاد تكون روتيناً يومياً في بلدان تعاني اقتصاداتها من عجز واختلالات.
أما أن يكون عنوانها «رغيف الخبز»، فهذا أحد أسوأ المؤشرات على الإطلاق، وإن لم يكن مفاجئاً، بل لعله ذروة الإخفاق بكل أبعاده، لا الاقتصادية فحسب، بل الاجتماعية والسياسية أيضاً. ومعه يصبح أي نجاح آخر -حتى الأمني- بلا أي معنى.
كانت الميزانية الجديدة للحكومة الإيرانية سبباً رئيسياً ومباشراً لتفجّر انتفاضة شعبية خلال الأسبوعين الماضيين، بسبب رفع الدعم عن مواد أساسية. ولم تستطع السلطات إخمادها إلا باللجوء إلى القمع العنيف، فضلاً عن حجب وسائل التواصل أو تقييدها.
هذا ما حدث أيضاً في السودان، حيث خرجت تظاهرات في عموم المدن، وتخللتها مواجهات بين المواطنين ورجال الأمن. كذلك في تونس، التي تعيش هذه الأيام مناخ احتجاجات يذكّر بثورة العام 2011، ولذلك لفتت الإعلام الغربي، الذي ربما يرى فيها إرهاصاً لموجة جديدة من «ربيع عربي» أصبح يثير التوجّسات أكثر مما يبعث الآمال.
بالتزامن، أعلنت الحكومة الأردنية رفع الدعم عن الخبز، ولم يخرج الاستياء إلى الشارع بعد، ربما لأنها استبقت قرارها بتمهيدات متكررة وبطيئة للرأي العام.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت أيضاً أسعار المواد الغذائية في الجزائر بشكل عشوائي، وبدت السلطات متفاجئة وعاجزة عن تفسير ما يحصل، باعتباره نتيجة لرفع أسعار الوقود.
رغم اختلاف الظروف، برز الخبز كأحد أسباب النقمة، يتساوى في ذلك أن تكون بين هذه الدول اثنتان نفطيتان، هما إيران والجزائر، وثلاث أخرى ترهقها فواتير المحروقات.
ذاك أن هبوط أسعار النفط والغاز أنهى العهد الذي كان فيه النفط معياراً للثراء. ولدى التدقيق في الحالات الخمس، يتبيّن أن كل الميزانيات الحكومية تدوّر عجزها من سنة إلى أخرى، حتى بلغ أخيراً حد المسّ بلقمة العيش، التي تولت الدولة تقليدياً دعمها تأميناً للفقراء وضماناً للأمان الاجتماعي.
ثم إن عوامل مواكبة، كالتسلح والفساد، ابتلعت وتبتلع نسبة كبيرة من الموارد، ومنها المساعدات المخصصة للتنمية، تجعل الخلل المزمن في تنظيم الاقتصاد قاسماً مشتركاً بين هذه الدول. فإيران تدير منذ عقدين «اقتصاد عقوبات»، وتقتطع جانباً مهماً من ميزانياتها لمغامراتها الخارجية.
والسودان خسر موارد نفطية بانفصال جنوبه عنه. والجزائر دائمة التخبط في أولوياتها حتى في أيام الوفرة. والأردن ينفّذ منذ أعوام إصلاحات كالتي باشرتها الآن تونس، بطلب من صندوق النقد الدولي.
إلا أن تراجع المداخيل والناتج القومي العام يقلّصان فرص الحصول على قروض، فيما تتفاقم الصعوبات بوتيرة يومية.
حيثما خرجت هذه الأزمات إلى الشارع، صارت أزمات سياسية؛ فالاقتصاد - شأن النظام - مثل أي شيء آخر.
ويعتبر الحكم أن ضخامة التعقيدات السياسية والأمنية ينبغي أن تكون مفهومة لدى المواطنين بحيث يبررون التراجع الاقتصادي. لكن الشباب الذين ثاروا لا يزالون يرون الفرص أمامهم قليلة أو معدومة.
ينطبق ذلك على الدول التي لا تشهد اضطرابات؛ فاقتصاداتها ليست على خير ما يُرام، إذ لا يخلو مؤتمر دولي من خبراء يحذّرون من غليان في المجتمعات يجعلها أشبه ببراكين على وشك الانفجار.
ويكررون أن الثروات والموارد والمساعدات، مثلها مثل الخبرات والكفاءات، لا تُدار على نحو مُجدٍ، لا في الاقتصاد ولا في السياسة.
الأربعاء, 4 ديسمبر 2024