باني الدولة الصفوية، خمار،جزار زير نساء
كتب:د.صباح الموسوي
صنعت الحركة الشعوبية الفارسية هالة مقدسة للشاه "إسماعيل الصفوي" فاقت هالة الملك كورش الإخميني في التلمود اليهودي. حيث جعلوه بمنزلة نائب الإمام \" المعصوم \" والحاكم باسمه على الرغم من أنه لم يكن من ألفقها وليس حتى من الحكام العدول. وهذه المنزلة التي أعطت لإسماعيل الصفوي آنذاك هي ذات المنزلة التي تطورت فيما بعد إلى نظرية {السلطان الفقيه والفقيه السلطان نائب الإمام المهدي الغائب} المتعارف عليها اليوم في إيران والمسماة بولاية الفقيه.
ولكن من هو إسماعيل الصفوي، هذا الرجل الذي تمكن أن يبني دولة فارسية جديدة طالما حلم قادة الشعوبية في بنائها؟.
أنه إسماعيل بن حيدر بن جنيد بن صفي الدين الاردبيلي، الذي ولد من أب ذو أصول تركية أذرية وأم ارمنية. ظهر في مطلع القرن العاشر الهجري، ونجح لأول مرة سنة (907هـ = 1502م) في إقامة دولة شيعية اثني عشرية في تبريز عاصمة أذربيجان.
كان جد ابيه صفي دين الاردبيلي من اتباع المذهب الشافعي وكان معروفا بتصوفه على الطريقة البكتاشية وكان عضو في المجلس السني - الشيعي المشترك الذي أسسه السلطان خدا بندة التركماني حاكم بلاد فارس و الذي ضم في عضويته فقيه الشيعة في العراق آنذاك "الحسن الحلي" المعروف عندهم بالعلامة الحلي. (تاريخ إيران ـ المجلد السادس ـص 616. (
قبل خمسمائة عاما تقريبا وعندما كانت بلاد فارس تخضع لسلطة الايليخانيين التركمان شهدت منطقة اذربيجان ظهور قوة جديدة اغتنمت فرصة عدم وجود سلطة عثمانية في تلك المناطق وضعف قوة الايلخانيين لتقوم بحركة تمرد تهدف إلى إقامة دولة مستقلة تحمل مذهبا مغايرا للمذهب السني السائد في بلاد فارس آنذاك. وقد عمد قائد تلك الحركة \" إسماعيل الصفوي \" إلى المزج بين شطحات الصوفية وخرافات المذهب الجديد ليصنع لنفسه نسبا آخرا يصله بال بيت النبي وهو نسب \" السيدية \" بديلا عن نسب القزلباشية الذي ينتسب اليه.
و هذا التغيير المفاجئ في النسب والمذهب حسب رأي الكاتب و الباحث الإيراني إسماعيل نوري لم يجد المؤرخين الإيرانيين والمستشرقون لحد الآن جوابا له وهو كيف ولماذا قرر الصفويون تغيير لقبهم من الشيخ إلى السيد واختاروا لدولتهم مذهب التشيع الأثني عشري رغم أنهم كانوا على مذهب أهل السنة).
وفي أحد ليالي الجمعة من ربيع عام 908- 1501م والتي كان من المقرر أن يعلن في صبيحتها تتويجه ملكا و المذهب الشيعي بديلا للمذهب السني السائد في تلك المناطق، حضر عدد من أمراء القزلباش(أصحاب القبعات الحمر من قبائل التركمان الذين شكلوا جيش التمرد الصفوي) حضروا لدى إسماعيل الصفوي و ابلغوه عن توجسهم من إمكانية حدوث ردود أفعال من قبل أهالي مدينة تبريز، الذين كان عددهم يزيد على الثلاثمائة ألف و جميعهم من أهل السنة، إذا ما سمعوا بالخطبة الشيعية الجديدة التي تقرر أن تتضمن الأذان \" بـ أشهد أن علياً ولي الله و \" حي علي خير العمل \" من ان يرفضوا أن يكون الملك شيعيا.
فرد عليهم اسماعيل الصفوي قائلا \" إني لا أخشى أحدا و إذا ما حدث واعترضت الرعية فاني سوف أجرد سيفي من غمده و بإذن الله لن أدع أحد منهم حيا. (كتاب عالم آراء الصفوية ص - 64 ص).
و في صباح الجمعة توجه إسماعيل الصفوي إلى الجامع وقد انتشر جنود القزلباش بين صفوف المصلين ثم اعتلى المنبر وجرد سيفه من غمده وأشار إلى شيخ يدعى \" مولانا احمد الاردبيلي \" وكان ملما بالعقائد والفقه الشيعي، وكان قد جيء به من خارج تبريز حيث لم يكن في تبريز آنذاك عالم شيعي واحد، فأشار إليه اسماعيل أن يصعد المنبر ويلقي الخطبة وكان يقف هو إلى جانبه. وما أن بدأ الشيخ خطبته حتى - تعالى -الهمس بين المصلين فقسم منهم حين رأوا الجنود فوق رؤوسهم قالوا لله درك من خطيب! أما القسم الأخر فشان عليهم الأمر فقاموا ليخرجوا من الجامع غير أن إسماعيل الصفوي أشار إلى جنود القزلباش أن يطلبوا منهم إعلان التبرؤ و المولاة (التبرؤ من الخلفاء الراشدين الثلاثة وإعلان المولاة لعلي بن أبي طالب) فمن فعل نجى ومن امتنع تدحرج رأسه بين قدميه.
وعلى الرغم من أن أهالي تبريز لم يبدو مقاومة تذكر في مواجهة الجيش الصفوي إلا أن جنود القزلباش قاموا بمذبحة شنيعة في المدينة لم تسلم منها النساء والأطفال. كما أنهم عمدوا إلى نبش قبر السلطان يعقوب آق قويونلو التركماني وقبور سائر الأمراء في المدينة وحرقوا بقايا جثثهم. (سفرنامه ونيزيان در ايران: ترجمة منوهر أميري ـ ص 408).
وعلى هذه المنوال واصل إسماعيل الصفوي توسيع دائرة سلطانه ونشر مذهبه الجديد بين الأقاليم التي أخذت تتساقط الواحدة تلو الأخرى تحت شدة بطشه.
و يشير صاحب كتاب «أحسن التواريخ» إلى مذابح السنة في مدينة«شكي» في غرب إيران ومذبحة الشيروانيين وإحراق جثت شيخهم، فرخ يسار، وبناء منارة من جماجم القتلى في المدينة. ويذكر أيضا هجوم القزلباش على قلعة باكو و ارتكاب مذبحة فجيعة بين أهالي القلعة وإحراق جثث الموتى و أبادة ثمانية عشر ألفا من جيش الأمير عثمان آق قويونلو بعد استسلامهم.
كما هاجم إسماعيل الصفوي بغداد عام 913هـ وارتكاب أفظع المجازر وأستباح مقام الإمام أبو حنيفة النعمان ونبش قبره.
و في عام 914هـ هاجم الأحواز وأطاح بدولة المشعشعيين بعد مذبحة دامية لا تقل بشاعة عن مذابحه السابقة في تبريز وبغداد وغيرها.
و من بين المذابح التي ارتكبها اسماعيل الصفوي في عام 915هـ يمكن ذكر مذبحة شيراز و مذبحة مازندران اللتين راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف، بالإضافة قتل أكثر من سبعة آلاف من أهل السنة في مدينة يزد وسط إيران مرورا بأعمال القتل و السلب والنهب التي شهدتها على يده مدينة أصفهان التي تحولت فيما بعد إلى عاصمة للدولة الصفوية.
وفي عام 916 هـ ارتكب إسماعيل الصفوي مذبحة مرو التي قتل فيها أكثر من أحد عشر ألفا بعد حربه مع \" شكيب خان التركماني\" الذي قام جنود القزلباش بتقطيعه واكله أمام أهل المدينة.
وفي عام 917 هـ تم قتل خمسة عشر ألفا من سكان قلعة القرشي تلك المجزرة التي لم يسلم منها النساء والأطفال والكلاب والقطط.
وفي نفس العام هاجم اسماعيل الصفوي هرات وقام بقتل زعمائها وفقهائها، كما هاجم بادغيس وقام بارتكاب مجزرة فضيعة فيها. (مصدر سابق).
وينقل الباحث الإيراني\" الدكتور إسماعيل نوري \" عن صاحب كتاب \" تاريخ الأدبيات الإيرانية\" أن الشاه إسماعيل كان شديد الحساسية بنسبة للعلماء والفنانين وسائر المفكرين. وكان من سيرته انه كان يطلب منهم القول \" بأشهد وان عليا ولي الله \" فمن يلفظها يطلق سراحه ومن يرفض يقطع رأسه أو يلقى به في النار. ويضرب مثالا على ذلك قصة قتل اثنين من أهل العلم والفضيلة من علماء السنة في شيراز وأصفهان وهما العلامة القاضي مير حسين مبيدي والعلامة الأمير غياث الدين محمد الأصفهاني اللذين قتلى شر قتلة نتيجة رفضهم سب الخلفاء الثلاثة.
ولعل هذه المجازر وغيرها هي من كانت وراء تحرك الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول لمهاجمة الدولة الصفوية وإنقاذ أهل السنة من الإبادة الكاملة.
ولكن السؤال الذي قد يخطر في بال المتتبع هو ،إذا كان اليهود قد برروا وصفهم للملك الفارسي ،كورش الإخميني، بأنه نبي مرسل وذلك بسبب إنقاذه دهاقنتهم من الأسر البابلي، على الرغم من علمهم أن كورش هذا كان قد قتل زوج خالته وتزوج بها لكي يصبح وريثا للعرش بعد موت جده لامه، فما هي المبررات التي دفعت بقادة الحركة الشعوبية الفارسية إلى إصباغ هذه القدسية على إسماعيل الصفوي الذي يصفه ابنه طهماسب بأنه جزار و شارب خمر وزير نساء.
فقد جاء ذلك في رسالة بعث بها الشاه طهماسب الأول بن إسماعيل الصفوي إلى السلطان سليمان القانوني بن سليم الأول يقول له فيها، إن أبي حين دخل مع أبوك الحرب في معركة جالديران كان سكرانا في ذلك اليوم ولم يكن لوحده في حالة سكر بل إن قائده \" دورميش خان وسائر أمراء الجيش بل إن اغلب الجيش كانوا في حالة سكر. كما تحدثت الكثير من المصادر التي اختصت بدراسة أحوال مولوك الصفوية أن الشاه إسماعيل كان شاربا للخمر وكان حليق اللحية و يحب مجالس اللهو والرقص وبعد أن فتح هرات طلب أن تلبس نسوتها الزينة ويخرجن راقصات لاستقباله ولكن على الرغم من كل هذه الرذيلة بقي الطائفيون والشعوبيون يمجدونه وبقي في أعينهم الحاكم بنيابة عن مهديهم الغائب!.