الأحد, 8 سبتمبر 2024

المستشار أحمد السيد يكتب: الخلل في الفهم.. وليس كتب التراث

337 مشاهدة
منذ 7 سنوات

الحمد لله حمدا لا ينفد أفضل ما ينبغى أن يحمد وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تعبد ، أما بعد: فقد تعالت بعض الأصوات التى تنادى بضرورة تنحية كتب التراث من تفسير ، وفقه ، وعقيدة ، وغيرها جانبا ، والرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فقط ، دون الحاجة إلى فهم سلف الأمة لهما ، وإنما بفهم من يرجع إليهما الآن ، بزعم أن كتب التراث – والتى تحوى أقوال سلف الأمة من الأئمة الأربعة ، وغيرهم كإبن تيمية ، وإبن القيم ، ومحمد بن عبدالوهاب – هى من أفرزت الجماعات المتطرفة كداعش ، والقاعدة ، وغيرهما ، وللرد على هؤلاء نقول : أن قولهم هذا غير صحيح يكذبه التاريخ والواقع ، وبيان ذلك كالتالى : أما التاريخ : فإن بداية نشأة فكر الخوارج – والتى تنتسب إليه سائر الجماعات المتطرفة الآن – كان فى عهد أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه ، حيث لم يكن هناك سوى القرآن والسنة ، ولم تكن هناك كتب للتراث ، ولم يكن أحد من علماء السلف – كالأئمة الأربعة أو إبن تيمية ، أو إبن القيم ، أو محمد بن عبدالوهاب – قد ولد بعد حتى يستقى منه الخوارج منهجهم الضال كما تزعمون ، وإنما نشأ فكرهم الضال المنحرف من الخلل فى فهم مراد الله من آيات القرآن ، ومراد رسوله من سنته . ومما يؤيد ذلك ما رواه عبدالله بن عباس رضى الله عنهما قال : { لما خَرجَتِ الحَروريَّةُ اجتَمعوا في دارٍ وهُم ستَّةُ آلافٍ أتيتُ عليًّا فقلتُ : يا أميرَ المؤمِنين ابرِد بالظُّهرِ لعَلِّي آتي هؤلاءِ القَومِ فأكلِّمَهُم قال : إنِّي أخافُ عليكَ قلتُ : كلَّا قالَ ابنُ عبَّاسٍ : فخرجتُ إليهِم ولبِستُ أحسَنَ ما يكونُ مِن حُلَلِ اليَمنِ قال أبو زُمَيلٌ : كان ابنُ عبَّاسٍ جَميلًا جَهيرًا قال ابنُ عبَّاسٍ : فأتيتُهم وهُم مُجتَمِعون في دارِهم قائلونَ فسلَّمتُ عليهِم فقالوا : مرحبًا بكَ يا ابنَ عبَّاسٍ فَما هذِهِ الحله ؟ قالَ قُلتُ : ما تَعيبونَ عليَّ لقَد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم في أحسَنِ ما يكونُ مِنَ الحُلَلِ ونزلَت : ” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ” ، قالوا : فما جاءَ بكَ ؟ قلتُ : أتيتُكُم من عندِ صحَابَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنَ المهاجِرينَ والأنصارِ لأبلِغَكُم ما يقولونَ المخبِرونَ بما يَقولونَ فعَليهِم نزلَ القُرآنُ وهُم أعلَمُ بالوَحيِ منكُم وفيهِم أُنزِلَ ( ولَيسَ فيكُم منهُم أحَدٌ ) فقال بعضُهم : لا تُخاصِموا قريشًا فإنَّ اللهَ يقولُ : ” بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ” ، قال ابنُ عبَّاسٍ : وأتيت قوما قط أشد اجتِهادًا منهُم مُسهِمَةٌ وجوهُهُم من السَّهَرِ كأنَّ أيديهِم وركبَهُم تُثني علَيهِم فمَضى مَن حضَر فقالَ بعضُهم لنُكلِّمنَّهُ ولننظُرَنَّ ما يقولُ قلتُ : أخبِروني ماذا نقِمتُم علَى ابنِ عمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وصِهرِهِ والمهاجرينَ والأنصارِ ؟ قالوا : ثلاثًا قلتُ : ما هنَّ ؟ قالوا : أمَّا إحداهُنَّ فإنَّهُ حَكَّم الرِّجالَ في أمرِ اللهِ ، وقالَ اللهُ تعالى : ” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ” وما للرِّجالِ وما للحُكمِ ، فقُلتُ : هذهِ واحدَةٌ قالوا : وأمَّا الأُخرى فإنَّهُ قاتَلَ ولم يَسبِ ولم يغنَمْ فلئِن كان الَّذي قاتلَ كفَّارًا لقد حلَّ سبيُهُم وغنيمتُهم ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ قتالُهم قُلتُ : هذه اثنتانِ فما الثَّالثةُ ؟ قال : إنه مَحا نفسَهُ مِن أميرِ المؤمنينَ فهو أميرُ الكافرينَ قلتُ أعندَكُم سِوى هذا ؟ قالوا: حَسبُنا هذَا فقُلتُ لهم : أرأيتُم إن قرأتُ عليكُم مِن كتابِ اللهِ ومِن سنَّةِ نبيَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ما يُرَدَّ به قولُكُم أتَرضَون ؟ قالوا : نعَم فقلت : أمَّا قولكُم حكَّم الرجالَ في أمرِ اللهِ فأنا أتلو عليكُم ما قَد رُدَّ حُكمُهُ إلى الرِّجالِ في ثَمنِ رُبعِ دِرهَم في أرنَبٍ ونحوِها مِنَ الصَّيدِ فقالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ” إلى قوله : ” يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ” فنشَدتكُمُ اللهَ أَحُكمُ الرِّجالِ في أرنَبٍ ونحوِها من الصَّيدِ أفضلُ أم حكمُهم في دمائهِم وصلاحِ ذاتِ بينِهم ؟ وأن تعلَموا أنَّ اللهَ لو شاءَ لحكَمَ ولم يُصيِّرْ ذلكَ إلى الرِّجالِ ، وفي المرأةِ وزوجِها قال اللهُ عزَّ وجلَّ : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ” فجعلَ اللهُ حُكمَ الرِّجالِ سنَّةً مأمونَةً . أخرَجتُ عَن هذِهِ قالوا : نعَم  ، قال : وأما قولُكُم قاتَلَ ولم يَسبِ ولم يغنَم ، أتَسْبُونَ أمَّكمْ عائشَةَ ثم يستحلُّونَ منها ما يُستَحَلُّ مِن غيرِها فلئن فعَلتُم لقَد كفرتُم ، وهي أمُّكُم ولئن قلتُم ليسَت أمَّنا لقَد كفرتُم فإن كفرتُم فإنَّ اللهَ يقولُ : ” النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ” فأنتُم تَدورونَ بين ضَلالتَينِ أيُّهما صِرتُم إليها صرتُم إلى ضلالَةٍ فنظَرَ بعضُهم إلى بعضٍ ، قلتُ : أخرَجتُ مِن هذِهِ ؟ قالوا : نعَم . وأما قولُكُم : محَا اسمَهُ مِن أميرِ المؤمنينَ فأنا أتيكُم بمن ترضَونَ ورأيكم قد سمعتُم أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ يومَ الحديبيةِ كاتَبَ سهيلَ بنَ عمرٍو وأبا سُفيانَ بنَ حربٍ فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ لأميرِ المؤمنينَ : اكتُبْ يا علِيُّ هذا ما اصطَلح عليهِ مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ ، فقالَ المشركونَ : لا واللَّهِ ما نَعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ لو نَعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ ما قاتَلناكَ : فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : اللهُمَّ إنَّكَ تعلَمُ أنِّي رسولُ اللهِ اكتُبْ يا عليُّ هذا ما اصطَلحَ عليه مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ فواللَّهِ لَرسولُ اللهِ خيرٌ من عليٍّ وما أخرجَهُ من النبوَّةِ حينَ محَا نفسَهُ قال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ : فرجع مِن القَومِ ألفانِ وقُتِلَ سائرهُمْ علَى ضلالَةٍ } ( رواه الحاكم فى المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ، وايده الألبانى ) وفى رواية : { عن عبدالله بن شداد رضى الله عنه قال : { قدِمَتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنْها فبيْنا نحن جلوسٌ عِندَها مَرْجِعَها من العِراقِ ليالِيَ قُوتِلَ عليٌّ رضِيَ اللهُ عنهُ إذْ قالتْ لِيَ يا عبدَ اللهِ بنَ شدَّادٍ هل أنتَ صادِقِي عمَّا أسألُكَ عنهُ حدِّثْنِي عن هؤلاءِ القومِ الذين قتَلَهمْ علىٌّ قُلتُ ومالِيَ لا أصدُقُكِ قالتْ فحدِّثْنِي عن قصَّتِهِمْ قُلتُ إنَّ علِيًّا لَمَّا أنْ كاتَبَ مُعاويةَ وحكَّمَ الحكَميْنِ خرَجَ عليْهِ ثمانيةُ آلافٍ من قُرَّاءِ الناسِ فنَزلُوا أرْضًا من جانِبِ الكُوفةِ يُقالُ لها حَرُوراءُ وإنَّهمْ أنكرُوا عليه فقالُوا انْسلخْتَ من قميصٍ ألَبسَكَهُ اللهُ وأسْماكَ بهِ ثمَّ انطلقتَ فحكَّمتَ في دينِ اللهِ ولا حُكمَ إلَّا للهِ فلَمّا أنْ بلغَ علِيًّا ما عتِبُوا عليه وفارقُوهُ أمَرَ فأذَّنَ مُؤذِّنٌ لا يَدخلُ على أميرِ المؤمنينَ إلَّا رجلٌ قدْ حمَلَ القُرآنَ فلَمَّا أنِ امْتلأَ من قُرَّاءِ الناسِ الدَّارَ دَعَا بِمُصحفٍ عظيمٍ فوضَعَهُ عليٌّ رضِيَ اللهُ عنهُ بين يديْهِ فطَفِقَ يَصُكُّهُ بيدِهِ ويقولُ أيُّها المصحفُ حدِّثِ الناسَ فنادَاهُ الناسُ فقالُوا يا أميرَ المؤمِنينَ ما تَسألُهُ عنهُ إنَّما هو ورَقٌ ومِدادٌ ونحنُ نتكلَّمُ بِما رُوِينا مِنهُ فماذا تُريدُ ، قال : أصحابُكمُ الَّذين خرَجُوا بينِي وبينهمْ كتابُ اللهِ تعالَى ، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ في امْرأةٍ ورجلٍ : { وإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا من أهْلِهِ } فأُمَّةُ مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعظَمُ حرْمةً مِنِ امْرأةٍ ورجلٍ ونَقَمُوا عليَّ أنِّي كاتبْتُ مُعاويةَ وكتبْتُ عليَّ بنَ أبِي طالِبٍ وقدْ جاء سُهيْلُ بنُ عمرٍو ونحنُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم بالحُديْبِيَّةِ حِينَ صالَحَ قومَهُ قُريْشًا فكَتبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، فقال سُهيْلٌ : لا تَكتبْ بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، قُلتُ : فكيفَ أكتبُ ، قال : اكتبْ باسْمِكَ اللهُمَّ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : اكتُبْهُ ، ثمَّ قال : اكتبْ من مُحمدٍ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فقال : لوْ نعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ لمْ نُخالفْكَ فكتَبَ هذا ما صالَحَ عليه محمدٌ بنُ عبدِ اللهِ قريْشًا ، يقولُ اللهُ في كتابِهِ : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ والْيَوْمَ الْآخِرَ } فبعثَ إليهِمْ عليُّ بنُ أبِي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ فخرجْتُ معَهُ حتى إذا تَوسَّطْنا عسْكَرَهمْ قامَ ابنُ الكَوَّاءِ فخطَبَ الناسَ فقال : يا حمَلَةَ القُرآنِ إنَّ هذا عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ فمَنْ لمْ يكنْ يَعرفُهُ فأنا أعرِفُهُ من كتابِ الله هذا مَنْ نزلَ فيه وفي قومِه بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ فرُدُّوهُ إلى صاحِبِهِ ولا تُواضِعُوهُ كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ قال فقامَ خُطباؤُهمْ فقالُوا واللهِ لَنواضِعَنَّهُ كتابَ اللهِ فإذا جاءَنا بِحقٍّ نعرِفُهُ اتَّبعناهُ ولئِنْ جاءَنا بالباطلِ لنَبُكِّتَنَّهُ بِباطلِهِ ولنُرَدَّنَهُ إلى صاحبِهِ فوَاضَعُوهُ على كِتابِ اللهِ ثلاثةَ أيامٍ فرجعَ مِنهمْ أربعةُ آلافٍ كُلُّهمْ تائِبٌ فأقبَلَ بهمْ ابنُ الكَوَّاءِ حتى أدخلَهمْ على علِيٍّ رضِيَ اللهُ عنهُ فبعثَ علِيٌّ إلى بقيَّتِهمْ فقال : قدْ كان من أمرِنا وأمرِ الناسِ ما قدْ رأيتُمْ ، قِفُوا حيث شِئتُمْ حتى تجتمِعَ أُمَّةُ مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَنزِلُوا فيها حيث شِئتُمْ ، بيْننا وبينكمْ أنْ نَقيَكمْ رِماحَنا ما لمْ تقطَعُوا سبيلًا وتطلُبوا دَمًا فإنَّكمْ إنْ فعلْتُمْ ذلكَ فقدْ نبذْنا إليكمُ الحرْبَ على سَواءٍ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنينَ ، فقالتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنْها : يا ابنَ شَدَّادٍ فقدْ قتلَهمْ ، فقال : واللهِ ما بعثَ إليهِمْ حتى قطعُوا السبيلَ وسَفَكُوا الدِّماءَ وقتلُوا ابنَ خبَّابٍ واستحَلُّوا أهلَ الذِّمَّةِ فقالَتْ آللهُ قُلتُ آللهُ الّذي لا إلهَ إلَّا هوَ لقدْ كانَ ، قالَتْ فما شيءٌ بلغنِي عن أهلِ العِراقِ يتحدثُونَ بهِ يقولُونَ ذُو الثَّدْيِ ذُو الثَّدْيِ قُلتُ قدْ رأيتُهُ ووقفْتُ عليه مع علِيٍّ رضِيَ اللهُ عنهُ في القتْلَى فدَعا الناسَ فقال هل تعرِفونَ هذا فمَا أكثرَ من جاء يقولُ قدْ رأيتُهُ في مَسجِدِ بنِي فُلانٍ يُصلِّي ورأيتُهُ في مسجِدِ بَنِي فُلانٍ يُصلِّي فلَمْ يأتُوا بِثَبْتٍ يُعرَفُ إلَّا ذلكَ قالَتْ فما قولُ عليٍّ حينَ قامَ عليه كما يَزعُمُ أهلُ العِراقِ قُلتُ سمعتُهُ يقولُ صدَقَ اللهُ ورسولُهُ قالَتْ فهلْ سمِعْتَ أنتَ مِنهُ ، قال غيرَ ذلكَ قُلتُ اللهُمَّ لا قالَتْ أجَلْ صدَقَ اللهُ ورسولُهُ يَرحمُ اللهُ علِيًّا إنَّهُ من كلامِه كان لا يَرَى شيئًا يُعجِبُهُ إلَّا قال صدَقَ اللهُ ورسولُهُ } ( رواه وقال عنه الألبانى صحيح على شرط مسلم } فانظر أخى الحبيب – رزقنى الله وإياك الفهم السليم – إلى فهمهم المعوج لكتاب الله ، ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانظر إلى فقه وفهم عبدالله بن عباس ، وكيف دحض حجتهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم : أولا : حملة فقه ليسوا بفقهاء :- فالخوارج الذين خرجوا على على رضى الله عنه كانوا من قراء الناس حفظة كتاب الله ، ففى الحديث { خرَجَ عليْهِ ثمانيةُ آلافٍ من قُرَّاءِ الناسِ فنَزلُوا أرْضًا من جانِبِ الكُوفةِ يُقالُ لها حَرُوراءُ } ، ولكنهم ليسوا بفقهاء ، أصحاب فقه سقيم وفهم معوج ، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن هذا النوع من البشر حامل الفقه وليس بفقيه ، فعن زيد بن ثابت رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : { نضَّرَ اللَّهُ امرأً سمعَ منَّا حديثًا فحفظَهُ حتَّى يبلِّغَهُ فربَّ حاملِ فقْهٍ إلى من هوَ أفقَهُ منْهُ وربَّ حاملِ فقْهٍ ليسَ بفقيهٍ } ( رواه أبو داود وصححه الألبانى ) ثانيا : إنكارهم ما أحل الله  :- حيث قالوا : { مرحبًا بكَ يا ابنَ عبَّاسٍ فَما هذِهِ الحله ؟ } فرد عليهم : { قالَ قُلتُ : ما تَعيبونَ عليَّ لقَد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم في أحسَنِ ما يكونُ مِنَ الحُلَلِ ونزلَت : ” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ” } ثالثا : إستدلالهم بالآيات فى غير موضعها :- فقال بعضُهم : لا تُخاصِموا قريشًا فإنَّ اللهَ يقولُ : ” بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ” وفى الرواية الأخرى : { قامَ ابنُ الكَوَّاءِ فخطَبَ الناسَ فقال : يا حمَلَةَ القُرآنِ إنَّ هذا عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ فمَنْ لمْ يكنْ يَعرفُهُ فأنا أعرِفُهُ من كتابِ الله هذا مَنْ نزلَ فيه وفي قومِه بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } وهذه الآية نزلت فى كفار قريش ، ومخاصمتهم للنبى صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ? مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ? بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } ( الزخرف : 57 – 58 ) فوضعها الخوارج فى غير موضعها ، وعمموا حكمها على كل قريش ، بالرغم من نزولها فى كفار قريش . رابعا : فهمهم المعوج للآيات والأحاديث :- فقد قال لهم عبدالله بن عباس رضى الله عنهما : { أخبِروني ماذا نقِمتُم علَى ابنِ عمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وصِهرِهِ والمهاجرينَ والأنصارِ ؟ قالوا : ثلاثًا قلتُ : ما هنَّ ؟ قالوا : أمَّا إحداهُنَّ فإنَّهُ حَكَّم الرِّجالَ في أمرِ اللهِ ، وقالَ اللهُ تعالى : ” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ” وما للرِّجالِ وما للحُكمِ ، فقُلتُ : هذهِ واحدَةٌ قالوا : وأمَّا الأُخرى فإنَّهُ قاتَلَ ولم يَسبِ ولم يغنَمْ فلئِن كان الَّذي قاتلَ كفَّارًا لقد حلَّ سبيُهُم وغنيمتُهم ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ قتالُهم قُلتُ : هذه اثنتانِ فما الثَّالثةُ ؟ قال : إنه مَحا نفسَهُ مِن أميرِ المؤمنينَ فهو أميرُ الكافرينَ قلتُ أعندَكُم سِوى هذا ؟ } فرد عليهم إبن عباس قائلا : { أرأيتُم إن قرأتُ عليكُم مِن كتابِ اللهِ ومِن سنَّةِ نبيَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ما يُرَدَّ به قولُكُم أتَرضَون ؟ قالوا : نعَم فقلت : أمَّا قولكُم حكَّم الرجالَ في أمرِ اللهِ فأنا أتلو عليكُم ما قَد رُدَّ حُكمُهُ إلى الرِّجالِ في ثَمنِ رُبعِ دِرهَم في أرنَبٍ ونحوِها مِنَ الصَّيدِ فقالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ” إلى قوله : ” يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ” فنشَدتكُمُ اللهَ أَحُكمُ الرِّجالِ في أرنَبٍ ونحوِها من الصَّيدِ أفضلُ أم حكمُهم في دمائهِم وصلاحِ ذاتِ بينِهم ؟ وأن تعلَموا أنَّ اللهَ لو شاءَ لحكَمَ ولم يُصيِّرْ ذلكَ إلى الرِّجالِ ، وفي المرأةِ وزوجِها قال اللهُ عزَّ وجلَّ : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ” فجعلَ اللهُ حُكمَ الرِّجالِ سنَّةً مأمونَةً . أخرَجتُ عَن هذِهِ قالوا : نعَم  ، قال : وأما قولُكُم قاتَلَ ولم يَسبِ ولم يغنَم ، أتَسْبُونَ أمَّكمْ عائشَةَ ثم يستحلُّونَ منها ما يُستَحَلُّ مِن غيرِها فلئن فعَلتُم لقَد كفرتُم ، وهي أمُّكُم ولئن قلتُم ليسَت أمَّنا لقَد كفرتُم فإن كفرتُم فإنَّ اللهَ يقولُ : ” النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ” فأنتُم تَدورونَ بين ضَلالتَينِ أيُّهما صِرتُم إليها صرتُم إلى ضلالَةٍ فنظَرَ بعضُهم إلى بعضٍ ، قلتُ : أخرَجتُ مِن هذِهِ ؟ قالوا : نعَم . وأما قولُكُم : محَا اسمَهُ مِن أميرِ المؤمنينَ فأنا أتيكُم بمن ترضَونَ ورأيكم قد سمعتُم أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ يومَ الحديبيةِ كاتَبَ سهيلَ بنَ عمرٍو وأبا سُفيانَ بنَ حربٍ فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ لأميرِ المؤمنينَ : اكتُبْ يا علِيُّ هذا ما اصطَلح عليهِ مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ ، فقالَ المشركونَ : لا واللَّهِ ما نَعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ لو نَعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ ما قاتَلناكَ : فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : اللهُمَّ إنَّكَ تعلَمُ أنِّي رسولُ اللهِ اكتُبْ يا عليُّ هذا ما اصطَلحَ عليه مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ فواللَّهِ لَرسولُ اللهِ خيرٌ من عليٍّ وما أخرجَهُ من النبوَّةِ حينَ محَا نفسَهُ } خامسا : الفهم السليم سبب للهداية والرشاد : وأمام تهاوى حجتهم الواحدة تلو الأخرى فقد رجع مِن القَومِ إلى الحق ألفانِ ، وقيل أربعة آلاف . سادسا : الأسباب المانعة من قبول الحق :- وقُتِلَ سائرهُمْ علَى ضلالَةٍ ، لعدم قبولهم الحق الذى جاء به إبن عباس رضى الله عنهما ، وقد قال ابن القيم – رحمه الله – في كتابه ” هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ” : { الاسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جدا فمنها الجهل به وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس فان من جهل شيئا عاداه وعادى أهله فان انضاف الى هذا السبب بغض من امره بالحق ومعاداته له وحسده كان المانع من القبول أقوى فان انضاف الى ذلك ألفه وعادته ومرباه على ما كان عليه آباؤه ومن يحبه ويعظمه قوى المانع فان انضاف الى ذلك توهمه ان الحق الذي دعي اليه يحول بينه وبين جاهه وعزه وشهواته واغراضه قوى المانع من القبول جدا فان انضاف الى ذلك خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ازادد المانع من قبول الحق قوة فان هرقل عرف الحق وهم بالدخول في الاسلام فلم يطاوعه قومه وخافهم على نفسه فاختار الكفر على الاسلام بعد ما تبين له الهدى كما سيأتي ذكر قصته ان شاء الله تعالى . ومن أعظم هذه الاسباب الحسد فانه داء كامن في النفس ويرى الحاسد المحسود قد فضل عليه وأوتي ما لم يؤت نظيره فلا يدعه الحسد ان ينقاد له ويكون من اتباعه وهل منع ابليس من السجود لآدم الا الحسد فانه لما رآه قد فضل عليه ورفع فوقه غص بريقه واختار الكفر على الايمان بعد إن كان بين الملائكة وهذا الداء هو الذي منع اليهود من الايمان بعيسى ابن مريم وقد علموا علما لا شك فيه أنه رسول الله جاء بالبينات والهدى فحملهم الحسد على ان اختاروا الكفر على الايمان وأطبقوا عليه وهم أمة فيهم الاحبار والعلماء والزهاد والقضاة والامراء هذا وقد جاء المسيح بحكم التوراة لم يات بشريعة يخالفها ولم يقاتلهم وانما اتي بتحليل بعض ما حرم عليهم تخفيفا ورحمة واحسانا وجاء مكملا لشريعة التوراة ومع هذا فاختاروا كلهم الكفر على الايمان فكيف يكون حالهم مع نبي جاء بشريعة مستقلة ناسخة لجميع الشرائع مبكتا له بقبائحم ومناديا على فضائحهم ومخرجا لهم من ديارهم وقد قاتلوه وحاربوه وهو في ذلك كله ينصر } أهـ . سابعا : إنحراف الفهم سبب لإنحراف القول والفعل :- وقد قادهم فهمهم المنحرف إلى أن : { قطعُوا السبيلَ ، وسَفَكُوا الدِّماءَ ، وقتلُوا ابنَ خبَّابٍ ، واستحَلُّوا أهلَ الذِّمَّةِ } وأما الواقع : فيكذبهم من ناحيتين : الأولى : أن كتب التراث تحارب الفكر المنحرف والجماعات الضالة : كالخوارج ، وليس أدل على ذلك من أن إبن تيمية – رحمه الله – وهو أكثر من أتهم بأنه مرجع الجماعات المتطرفة ، قد حارب فكرهم ، وبين ضلالهم ، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية  في ” الفتاوى ” : { فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي تَكْفِيرِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا نِزَاعٌ فِي كُفْرِهِمْ . وَلِهَذَا كَانَ فِيهِمْ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ بُغَاةٌ . وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ كُفَّارٌ كَالْمُرْتَدِّينَ ، يَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً ، وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ ، وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اُسْتُتِيبَ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ . } ا.هـ . الثانية : أن كل أهل العلم وطلبته يرجعون إلى كتب التراث لينهلوا منها :  فلو كانت تلك الكتب هى السبب فى الإنحراف والضلال لانحرف كل من يقرأها ، وضل سواء السبيل ، والواقع غير ذلك إذ أن من يرد على خوارج العصر كداعش بدعتهم هم من درس كتب التراث ويستدلون بما جاء بها ، ويبينون للخوارج الخلل فى فهمهم لكلام سلف الأمة . الخلاصة : وعليه فإن اردنا أن نحارب الجماعات المتطرفة فعلينا بتصحيح الخلل الموجود عندهم فى فهم مراد الله ، ومراد رسوله ، ومراد سلف الأمة ، والمقصود من النص ، ولا ننحى كتب التراث جانبا وندعوا الناس إلى عدم التعويل عليها ، فهذا هدم للدين لا يقول به إلا مغرض محاد لله ورسوله . *المستشار أحمد السيد على إبراهيم  نائب رئيس هيئة قضايا الدولة – كاتب بمجلة التوحيد

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *