الأحد, 8 سبتمبر 2024

إيران التاريخ والجغرافيا… مقاربة للفهم!

188 مشاهدة
منذ 6 سنوات
عبد الرحمن الجميعان إن الاهتمام بإيران ليس من الناحية الدينية المذهبية التي تخالف فيها محيطها، ولا من اختلاف اللغة والعادات والتقاليد، وإنما ينبغي أن ينطلق هذا الاهتمام لأهمية إيران جغرافيا وسياسيا وتاريخيا ودينيا. فإيران ليست بلدا خارج رحم الأمة، وليس هو بلدا لم يشتبك فيه التاريخ والدين والسياسة مع الأمة، وإنما هو بلد في بؤرة اهتمام الأمة منذ الفتح الإسلامي، وهو البلد الذي كانت آثاره كبيرة على الأمة سلبا وإيجابا، فليس من المعقول أن لا يعطى الاهتمام اللائق له، وإن مر هذا البلد في ظروف استثنائية فصلته عن الأمة، وأشغلته بقضايا درس الزمان عليها ونسج عليها خيوطه، فأعادته الفارسية والزرادشتية جذعة، فإنما هو استثناء سيمر، وستعود البلاد إلى حضن الأمة إلى قاعدتها، وتلك سنة الله في خلقه، فلم يكتب الله الخلود لشيء، وقد جعل الله لكل شيء قدرا. عند قراءة التاريخ الايراني، السياسي أو الاجتماعي أو الديني، ستجد ركاما هائلا من المعلومات الحقيقية، والأساطير، والمعلومات الدقيقة وغير الدقيقة، وإيران بلد تقلب فيه التاريخ والدين تقلبات شديدة وناتئة وحادة. يذهب كثير من المحللين، أو المؤرخين، للسياسة الايرانية، إلى فصل التاريخ الفارسي عن واقع ايران اليوم، ويعتبرون الأمر منبتا عن هذا الواقع، وأن هذا الواقع واقع جديد نشأ نتيجة ظروف سياسية ومادية واجتماعية جديدة. لربما تبدو هذه النظرة نظرة صحيحة لأول وهلة، ولكن عندما يتمعن الباحث في التاريخ الإيراني القديم والأوسط والجديد، تتبدد هذه النظرة، وتبدو كما أنها نظرة سطحية للتاريخ، وللواقع الذي تعيشه إيران، بل قد تبدد نظرتنا لكثير من البحوث والتحليلات التي تفصل التاريخ والجغرافيا في التحليل والاستنتاج. نلاحظ عدة من القضايا في التاريخ الإيراني منذ ما قبل تاريخ فارس الرسمي، وهي قضايا تكاد تكون متوازية مع التاريخ، ومع التقدم في الزمن. فمثلا لم تستقر في إيران دولة واحدة، ولا حكومة واحدة منذ ما قبل الإسلام، وظهر ذلك جليا بعد الفتح، وتجلى ذلك إبان الدعوة العباسية، ثم قيامها، وبداية انفصال الدويلات من الخلافة العباسية، كالطاهرية والصفارية والبويهيين والسلاجقة وغيرهم. وأيضا قضية التوسع والانتشار، وبناء مشروع قومي لدولة فارس أو إيران، ليس وليدة الصدفة، ولا هو من ضغوطات الحاضر، بل هو نقطة أساسية في غالب تاريخ إيران، يقول كتاب (صفحات عن إيران) صادق نشأت، مصطفى حجازي، ط١ ١٩٦٠، (أما الإمبراطورية  القديمة فكانت أوسع بكثير من التحديد الجغرافي لهضبة إيران، وقد أيد هذا اكتزياس الطبيب اليوناني حيث قال: جملة ما كان يحتفظ به ملوك إيران في خزانتهم ويعتبرونه أغلى من الجواهر سبع زجاجات تحتوي مياه النيل، والدانوب ودجلة والفرات وسيحون وجيحون ونهر السند كدليل على سعة إمبراطوريتهم المترامية الأطراف) ص٦، (وقد جاء في مذكرات هيريدوتس: خشايارشاه قاد جيشا قوامه ٧٥٠ ألف مقاتل لفتح أوربا، وهؤلاء من ٢٢ مملكة كانت خاضعة لحكم هذا الإمبراطور..). وسواء صحت الروايات أم لم تصح فالحقيقة باقية أن النظرة التوسعية قد لازمت كل، أو أكثر، من حكم إيران منذ ما قبل تاريخ الإسلام. وهكذا كان كورش، (فقد استطاع عام ٥٣٥ ق.م احتلال بلاد ما بين النهرين وسوريا وفلسطين ….)، كما في كتاب موسوعة إيران السياسية د. حسن الجاف  ١/ ٤١. وأيضا الدولة القاجارية وفي عهد أغا محمد خان ١٧٩٥- ١٧٩٧، فبعد أن دانت لهذا الشاه ايران،  (طفق لإعادة سيطرته على مناطق ما وراء القفقاس، لا سيما على وادي نهر كورا الأوسط وجورجيا، ولتحقيق أحلامه أولى هذا المؤسس الجيش جانبا كبيرا من اهتمامه..) سابق ٣/ ١٧٩. هذه قضية مهمة جدا عند التحليل للوضع في إيران، وأنها ذات مشروع قومي كبير، لم تؤثر عليه الثورة الإيرانية، بل زادته تمسكا لأنه ارتبط بالدين وتقويض الاستكبار في الأرض! هذه وغيرها من قضايا عميقة في الداخل الإيراني بحاجة إلى من يكشف عنها اللثام، ويجليها، بعيدا عن التشوهات الفكرية للبعض، والصاق ما ليس منها بها، واستجلاب النزاع الديني والطائفي في البحث! (منتدى المفكرين المسلمين)

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *