ما يدفعني في العودة مرة ثانية إلى تكملة الموضوع هو شعوري بان الحلقة الماضية (زواج الحسين بأبنة كسرى بين الحقيقة والاسطورة) لم تشبع الموضوع وكان ينقصها ما يفي بالغرض من كتابتها. بالإضافة إلى ان الردود على الحلقة الماضية كانت دافعا في ضرورة إيضاح الدوافع التي تقف وراء مثل هذه الكتابات، رغم أني لا أنزه نفسي من بعض الهفوات والدوافع العاطفية التي ربما حملتها بعض الجمل و التي قد تكون أثارت أحاسيس بعض القراء، ولكن في المحصلة ينبغي ان يتم الحكم على مضمون المادة لا على دوافع الكاتب او أهدافه. و من هنا فان التركيز على مسألة زواج سيدنا الحسين بأبنة كسرى يزدجرد الثالث, ليس من باب كونها الأسطورة الوحيدة التي تنخر الفكر الشيعي وإنما تكمن أهميتها في كونها تكشف وبكل سهولة مدى تغلغل الأسطورة في بناء هذا الفكر الذي يعتبر الكثيرون من الشيعة تقاليده و مناسباته موروث مقدس يحّرم التطرق إليه او المساس به. رغم عِلمنا ان هذا المورث ليس قرآن منزّل و إنما هو مجرد أخبار لحوادث تاريخية بعضها حقيقية و أخرى مختلقة ولا صحة لها تناقلها رواة ومحدثون الكثير منهم إما أصله مجهول و إما مطعون في مصداقيته. و ما يجعل الباحث يهتم بأمر هذه الروايةt; الأسطورة; لكون رواتها لم يتوقف عملهم عند هذه الأسطورة وحسب وإنما هم يشكلون مصدرا للمئات من الروايات الأخرى. ومن هنا فان اثبت او نفي قضية زواج سيدنا الحسين من أبنة كسرى سوف يكشف لنا عن مدى صحة القضايا الأخرى التي هي من صميم المورث الشيعي وقد جاءنا أكثرها عن طريق نفس رواة هذه الأسطورة. لذا وبما إنني من محبي أهل البيت عليهم السلام وعشت عدة عقودا و أنا مؤمن بالكثير من الخرافات والأساطير التي ابتدعها رواة الشعوبية. لذلك سعيت إلى محاولة كشف ما أمكن كشفه من هذه الأساطير لتطهير عقيدتي و فكري اولا,و محاولة لإظهار الحقيقة ثانيا. فالأمانة التاريخية تقتضي قول الحقيقة وكشف التزييف وتعرية الباطل. وأن تعرية الشعوبية والصفوية ليس له أي علاقة بصراعي مع الدولة الإيرانية التي اغتصبت بلدي ( الأحواز) و ظلمت شعبي وحرمتني من ابسط حقوقي وهو حق التعليم بلغتي العربية. ثم إني قبل ان أكون احوازيا فانا مسلم محب لأهل البيت وهذا الإيمان و الولاء يلزمني كشف ما أستطيع كشفه من الأساطير والخرافات التي اُريد بها ضرب الإسلام وتشويه فكر أهل البيت تحت راية معاداة العرب. كما ان التطرق إلى دسائس الشعوبية والصفوية ليس دليل على أني معادي للقومية الفارسية فقبلي الكثير من الكتاب والمفكرين المنصفين من الفرس أمثال المرحوم "الدكتور علي شريعتي" و المرحوم الأستاذ" صالح قلمداران" وكثيرون غيرهم كتبوا وكشفوا الكثير من أساطير وخرافات الشعوبية والصفوية السيئة فهل يعني ان هؤلاء جميعا كانوا معادين لأمتهم الفارسية؟. ماهي الفلسفة السياسة لأسطورة زواج الحسين من أبنة كسرى ؟. يرى عالم الاجتماع الايراني الدكتور"علي شريعتي" ان مسألة الزواج في العهد القديم، وخصوصا بالنسبة لبعض الفئات الاجتماعية الاستقراطية فهي قبل ان تكون حاجة جنسية او طريقة من اجل الإنجاب وبناء الأسرة، فهي عادة اجتماعية وصورة شرفية و تقليد يحكي عن نوع من التعاقد الطبيعي وحلف غير مكتوب وتواصل سياسي وعهد مصالحة، وفي النهاية كثيرا ما كان يؤدي إلى اتحاد او امتزاج بين أسرتين او قبيلتين. والزواج في مثل هذه الحالات له مفهوم عميق من ناحية علم الاجتماع و يكون حساس للغاية كونه مؤثرا جدا في تحديد مستقبل وتاريخ هذه الطرف او ذاك. و في الأسطورة يتم انتخاب فتاة من أسرة تم انقراضها لتزويجها بشاب من الأسرة القارضة لكي يستمر وجود الأسرة المنقرضة. لذا و من اجل إبقاء سلالة الأسرة الملكية الساسانية ( التي كان كسرى يزدجرد الثالث آخر حلقاتها ) كان لابد إذن من وصلها بسلالة الإمامة الشيعية. ولذلك فانه من الضروري ان تدخل بنت" يزدجرد " دارعلي " " لتكون من أهل بيت النبوة. يعني ان السلالة التي ذهبت تتحول الى "رحم" و السلالة القادمة والتي ستبقى تتحول إلى صلب ليشكل شاب من" بني هاشم" و فتاة من "بني ساسان " اولى حلقات سلالة جديدة جاءت لتبقى وآخر حلقة للسلالة ذهبت. والهدف من هذا هو تمكين القومية التي انهزمت من العودة مختبئة في الإسلام. والطريقة هي أن يتم ربط الملكية الساسانية بالنبوة الإسلامية ويتم مزج فره ايزدي" الأبهة الإلهية "مع "الدوحة المحمدية "لتنجب طفلا يكون حاملا لجوهرتين وحلقة وصل بين سلالتين. وهذا الوليد هو الإمام علي بن الحسين الملقب بالسجاد. و هنا تنكشف اولى حلاقات أهداف هذه الأسطورة التي سوف تتضح على التوالي باقي أجزائها والتي سوف ينكشف سر إظهار الشعوبية نفسها بمظهر الحركة الشيعية المتحمسة لاهل البيت والمدعية الدفاع عن حقهم في الحكم و الإمامة..( نضهة المقاومة الوطنية في ايران ص149 المصدر باللغة فارسية(. في مقالة له بعنوان "الإسلام في ايران " يشرح الباحث والمؤرخ الهندي الدكتور، R.NATH تلك الأسباب التي دعت الحركة الشعوبية إلى تبنى العقيدة الشيعية موضحا ,"ان الإسلام بالنسبة للإيرانيين يجب ان لا يكون منفصلا عن الثقافة الإيرانية. فالثقافة الإيرانية تتمتع بخصوصية مميزة بشكل كامل و تختلف مع تقاليد وعادات الحياة العربية في السعودية والإمارات العربية المتحدة ، مصر، سوريا وحتى العراق المجاور. ولما كان الفرس امة تاريخية ومثقفة ولديها حضارة متقدمة لذا كان من الصعب ان يقبلوا الذوبان ويتخلوا عن هويتهم القومية.هذا الرفض كان السبب الأول في نشؤ الصراع حول موضوع الخلافة و الإمامة والذي أدى فيما بعد إلى ظهور معسكرين احدهم مؤيدا للنظرية التي تقول بانتخاب خليفة النبي و آخر مؤيد لنظرية الإمامة التي تتم عن طريق الوراثة". و يرى الدكتور R.NATH ,ان ظهور التشيع في الإسلام بدأ مع حرب الجمل في ربيع الثاني سنة 36 هـ ويتسأل قائلا :" ترى لو لم يعارض الأمويين بقيادة معاوية ترشيح الإمام علي للخلافة فهل كنا سنشهد ولادة التشيع ؟. وهل صحيح ان هذه الحادثة وحدها التي كانت السبب في صنع مذهب التشيع ؟. على الرغم من انه لا يوجد مكان لكلمة " لو " ولكن " في التاريخ إلا ان الفرضيات تؤدي أحيانا إلى استخلاص بعض النتائج. كان الفرس على إيمان قوي بعقيدتهم التي ترى صفة" الألوهية" بالملِك وكانوا يرونه الحاكم على الوجود وصاحب الأقاليم السبع وأطراف الدنيا الأربعة. والملك عندهم ِظل الله في الأرض , وفي عهد الاخمينيين/ 336 م - 546 ق / والاشكنانيين/ 226 م _336 ق / و الساسانين/ 226م- 336 ق/ كان النظام الملكي يعد نظاما إلاهيا عند الإيرانيين. ولهذا فان مسألة انتخاب الخليفة التي من العادات والتقاليد القبلية العربية فإنها تتعارض مع موضوع الإيمان بـ "إلوهية الملك" الذي كان من خصوصية عقيدة الإيرانيين. فالساسانيون الذين سقط آخر ملوكهم على يد العرب كانوا يرون في أنفسهم آلهة. لذا فان قبول خليفة منتخب كانت بالنسبة للفرس مسألة صعبة جدا وأمر مرفوض. لهذا فقد شكلت عقيدة الفرس التي تقوم على حق ألوهية الملك القاعدة الأساسية التي بُنيت عليها نظرية الإمامة الشيعية الوراثية وهذه من خصوصية الإسلام الإيراني :( المصدر السابق.) الروايات المتضاربة في أسطورة زواج الحسين بأبنة كسرى. الاولى : رواية محمد بن حسن الصفار( م290 هـ) قال : " بسبب الحقد و الكراهية التي كانت تكنها لخليفة العرب عمر بن الخطاب الذي أصدر أمرا باحتلال ايران واسقط المملكة الساسانية، فإنها حين رأته في المسجد غطت وجهها وبكت وقالت : آه! "بيروج بادا هرمز". ( النصر لهرمز) فعمر الذي لم يكن يعرف اللغة الفارسية البهلوية الدري، هجم عليها ليؤدبها اعتقادا منه ان الأميرة شتمته ولكن الإمام علي بن أبي طالب،" وبسبب الود المملو بالسر الغيبي الذي كان يكنه لآل ساسان"، تقدم بسرعة إلى الأمام ومسك بازياق عمر وقال له يارجل "بنترة ونبرة حادة " قف إنها لا تعنيك ومن الأفضل ان تجعلها حرة حتى تختار شخصا من المسلمين زوجا لها، فوافق عمر وقال هو كذلك ً! فأنتي حرة ولكي ان تختاري يا سيدة. فجاءت ممثلة الخورنه "نور" الفرهة الايزدية" وسليلة الأسرة الساسانية التي أخذت ضيائها من اهورا مزدا (اله المجوس) تتقدم وتتقدم و تتقدم فوضعت يدها على رأس الحسين بن علي لتتخذه زوجا لها واصلة بذلك بين وارث النبوة المحمدية و بقية سلطنة "اهورا " الساسانية . السند : بصائر الدرجات ج/باب 11 ( المصدر بالفارسي ونقل عنه المجلسي في البحار ج9/ص46). الثانية: .رواية محمد بن علي بن الحسين المعروف بالصدوق !( م381هـ). قال :حدثنا الحاكم ابو علي الحسين بن محمد البيهقي قال: حدثنا محمد بن عيسى الصولي. قال:: حدثنا سهل بن القاسم النوشجاني. قال : قال لي الإمام الرضا (ع) بخراسان : ان بيننا وبينكم نسبا. قلت : وما هو أيها الأمير ؟ قال: ان عبد الله بن عامر بن كريز لما افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم فبعث بهما إلى عثمان بن عفان فوهب احديهما للحسن والأخرى للحسين فماتتا عندهما نفساوين. وكانت صاحبة الحسين نفست بعلي بن الحسين. السند : عيون الأخبار ج 2/ص128. الثالثة : رواية محمد بن محمد بن النعمان المشهور بالمفيد! (413هـ .( قال :" و امه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى. ويقال : اسمها شهربانويه، وكان أمير المؤمنين (ع) ولى حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق، فبعث إليه ابنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، فنحل ابنه الحسين شاه زنان منهما فاولدها زين العابدين، ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمد بن أبي بكر. فهما ابنا خالة : السند : الإرشاد ج 2/ص 138. إن القارئ لهذه الروايات الثلاثة يكتشف و بكل سهولة حجم التناقض بينهما من حيث زمان ومكان اسر أبنة كسرى وزواجها بالحسين .فالمصدر الأول يروي انه تم في المدائن في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب سنة 19 للهجرة . اما المصدر الثاني, فيرى انه تم اسرها في خراسان زمن الخليفة عثمان بن عفان. و اما المصدر الثالث فيقول ان الأسر جرى في الشرق زمن خلافة علي بن أبي طالب .المؤرخ الإيراني" محمود رضا افتخار زاده " يرى ان هذا الاختلاف في الروايات عمل متعمد من قبل "الشعوبية" وهو يدل على مهارة الكـّتاب الشعوبيين وتخصصهم في صنع الروايات فهم أرادوا بهذا الاختلاف ان تأكيد الأسطورة لا نفيها. كما أنهم أرادوا من خلال خلق التناقض بين هذه الأسانيد والمتون والتلاعب بالزمان والمكان إعطاء صفة التواتر لهذه الأسطورة وإبعاد فكرة المؤامرة عن مخيلة الناس حتى يتحقق لهم الهدف السياسي منها. المصدر: (الشعوبية نضهة المقاومة الوطنية في ايران). رأي بعض المستشرقين بهذه الأسطورة يقول المستشرق الآلماني "اشبولر" : " اعتقد ان زواج الحسين بن علي بن أبي طالب من أميرة ساسانية قصة مختلقة. وان الشيعة سعوا إلى ربط أئمتهم بآخر سلسل ملكية إيرانية ( الساسانية ) و قد ابدوا أهمية كبيرة لهذا الموضوع . ( 2 isilamis cherseif.wiesbaden.195 الصفحة 178 مترجم إلى الفارسية). أما المؤرخ الدنماركي الشهير" كريستن سن" فقد ذكر في كتابه :" ايران في العهد الساساني/ ص 362" أن مسألة زواج الحسين من شهربانو مسألة غير مؤكدة. اختلاف الروايات في زمان ومكان وفات زوجة الحسين المفترضة لقد سعى الشعوبيين لصنع رمز من "أبنة كسرى" ليضفوا مصداقية على أسطورتهم. فبينما قال شيخ الطائفة الشيعية "الصدوق" أنها ماتت في المدينة وهي نفسة بعلي بن الحسين إلا ان الشعوبيين قاموا ببناء قبر ومزار لها على جبل في "مدينة ري" القريبة من طهران يعرف باسم جبل" بي بي شهربانو" ووضعوا على القبر حجر مرمري يعود تاريخه إلى القرن الرابع الهجري و قد بني على الطريقة المعمارية التي كانت سائدة في عهد البويهيين والسلجوقيين وجدد القبر في العهدين الصفوي و القاجاري. وقد كتب على جدران و باب المزار رواية الصفار التي تحكي قصتها المزعومة في مسجد المدينة المنورة مع عمر و علي . ( رضي الله عنهما ). وقصة " قبرشهربانو " هذا شبيهة بقصة قبر فيروز النهاوندي"ابو لؤلؤة" قاتل الخليفة عمر. فبينما تؤكد الروايات انه قتل على يد" عبد الرحمن بن عوف" بعد طعنه "الخليفة عمر" أثناء صلاة الفجر في مسجد المدينةالمنورة , إلا أن الشعوبيين قد بنوا له قبرا على الطريق بين مدينتي" قم و كاشان" و أصبح مزارا لهم تكريما له على قتله خليفة رسول الله وأمير المسلمين. لعل في هذا الجزء اليسير من البحث الذي تقدم قد تمكنا من كشف جانبا من طريقة عمل" الحركة الشعوبية " و وليدتها "الحركة الصفوية" اللتين تبنتا التشيع عقيدة بديلا عن الإسلام , الإسلام الذي أطفأ بنوره نيران عقيدتهم المجوسية وهد إمبراطوريتهم الكسروية التي كان مجدها قد بني على جماجم وخيرات الشعوب الأخرى. كتب: د. صباح الموسوي رئيس المؤسسة الأحوازية للثقافة والإعلام
الخميس, 21 نوفمبر 2024