العرب- فاروق يوسف
قيس الخزعلي وهو أحد صبيان مقتدى الصدر السابقين شوهد في جنوب لبنان. اختلف المحللون السياسيون في الجهة التي تود إيران إرسال رسالتها إليها من خلال تلك الواقعة التي أشرف على مسرحتها حزب الله.
البعض قال إنها موجهة إلى إسرائيل لمناسبة أي حرب مقبلة، فيما التفت آخرون إلى المملكة العربية السعودية بسبب استقالة سعد الحريري وتراجعه عنها. وهما رأيان على قدر من الفكاهة الساذجة، غير أن الرأي الأكثر ظرفا هو الذي أكد من خلاله قائلوه أن تلك الرسالة كانت موجهة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شخصيا، بمناسبة قراره الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية.
لقد اهتمت وسائل الإعلام العربي بتلك الزيارة وهو ما أضفى عليها دلالات لا تتحملها ولا تنطوي عليها. فالرجل الذي يقود في العراق ميليشيا طائفية اسمها “عصائب أهل الحق” وإن عُرف بولائه الإيراني لا يمثل في المعادلة السياسية العراقية شيئا يُذكر، إضافة إلى أنه مطلوب دوليا لارتباطه بعمليات إرهابية، كانت القوات الأميركية قد رصدتها قبل سنوات.
هو واحد من سفاحي الخط الطائفي الثاني. ولا أعتقد أن تسليط الضوء على تحركاته ينفع في شيء. لا نفيا ولا إثباتا. فهو مجرد أداة لا صانع قرار بالرغم من أن وجوده ضمن قادة الحشد الشعبي قد وهبه نوعا من الغطاء في ظل مسعى الأحزاب الشيعية لمنح ذلك الحشد صفة قانونية.
غير أن قيس الخزعلي مثل سواه من قادة الحشد يظل في مكانه الحقيقي الذي لن يتمكن من مغادرته، رجل عصابات خارجا على القانون.
تاريخ الرجل يضعه في صف طويل من القتلة والإرهابيين والمرتزقة وقطاع الطرق ورجال المافيا التي تمتهن الخطف تنفيذا لمشروع إيران في نشر قيم الفوضى في العالم العربي.
هؤلاء الذين يستقبلهم حزب الله من غير موافقة أو معرفة الجهات اللبنانية المختصة، يشكلون دليلا دامغا على ارتباط ذلك الحزب بمنظومة قوى الإرهاب التي تديرها وتمولها إيران عالميا.
وإذا ما عـدنا إلى المنطق السياسي السليم فإن حماسة حزب الله لظهور قيس الخزعلي جنوب لبنان كانت خطوة غير موفقة أراد من خلالها حسن نصرالله استفزاز شركائه في الحكم الذين أبدوا ميلا كبيرا للتهدئة في ظل وضع إقليمي تسيطر عليه التجاذبات التي تظل في غاية الغموض من جهة ما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج، قد تفتح الباب على المزيد من التدهور في العلاقات بين الدول.
ليس من مصلحة حزب الله أن تشتد أزمات لبنان الداخلية بعد أن أقدم رئيس الوزراء على الاستقالة اعترافا منه بعجزه عن إدارة مؤسسات دولة وضعها الحزب المذكور في سلته.
غير أن حزب الله بالرغم من تغوله السياسي هو في حقيقته مشروع حرب دائمة، إضافة إلى أنه لا يملك مشروعا وطنيا يجعله في منأى عن المشاركة السلبية في أزمات المنطقة تنفيذا لمبدأ النأي بالنفس الذي هو مجرد شعار يرفعه وزير خارجية لبنان الموالي لحزب الله كلما وجد نفسه محرجا في اتخاذ موقف واضح.
لذلك فإن من المؤكد أن حزب الله لا يملك أن يقدم للبنان سوى استعراضات رثة وعلى قدر كبير من العبثية مثل ذلك المشهد الذي ظهر فيه مجرم هو قيس الخزعلي في الجنوب اللبناني وهو البقعة التي ينظر إليها العرب بشيء كبير من الاعتزاز، كونها أرضا عربية محررة.
لا يستضيف حزب الله على أرض لبنان سوى القتلة. هل هناك شك في ذلك؟
بالنسبة لجماعة طائفية لا تؤمن بالقيم الوطنية ولا بحق لبنان في أن يكون سيدا على أرضه مستقلا بقراره، فإن القتلة هم رموز المقاومة التي تحولت للأسف إلى أن تكون عنوانا للمشروع الإيراني في المنطقة.
لذلك فإن حزب الله لا يشعر بالخزي لأنه يستقبل مجرما على أرض يُفترض أنها اكتسبت نوعا من الرمزية الوطنية والإنسانية بسبب ارتباطها بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
فإذا ما كان مجرم مثل قيس الخزعلي قد دنس أرض الجنوب، فإن الحرية هي أول المتضررين. حرية لبنان التي وضعها خادم الولي الفقيه في قفص.
كاتب عراقي
الأربعاء, 4 ديسمبر 2024