الغد- د.أحمد جميل عزم*
ضحك شلدون أديلسون، البالغ 84 عاماً، صاحب كازينوهات القمار في لاس فيغاس، مرتين هذا الأسبوع. أولاً، السبت الفائت، عندما مرّر مجلس الشيوخ الأميركي قانوناً جديداً للضرائب، يوفر عليه مبلغاً سيتعدى 14 مليار دولار، من أصل ثروته التي تفوق 37 ملياراً. فلقد اشترك مع رجال أعمال آخرين في ترويج حملة تعديل القانون، ودفع عشرة ملايين دولار للحملة على شكل إعلانات وشركات علاقات عامة.
وضعت صحيفة "بوسطن غلوب" صورته ضمن كاريكاتير، يتضمن قطاراً يقوده ترامب شخصياً، وفيه عربات تزدحم بعامة الموظفين، يعانون وقوفاً، بينما يجلس أديلسون وزوجته، مريم، في الدرجة الأولى أمامهم مأدبة، ونادل يحمل صينية طعام قيمتها 14.6 مليار دولار.
وسرعان ما انبرت المنظمات اليهودية والمؤيدة لإسرائيل تهاجم الصحيفة، وتبحث عن شيء تتهمها على أساسه باللاسامية ومعاداة اليهود، فقالوا إنّ الأنف المرسوم في الصورة طويل. وتتلقى هذه المنظمات على الأغلب دعمه الاقتصادي، تماماً مثلما يتلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دعمه، على الأقل إعلامياً، عبر صحيفة أديلسون الإسرائيلية اليومية (إسرائيل هيوم).
أديلسون يهودي، أوكراني الأصل، استدان عام 1948 من أقاربه ليبدأ عملاً لتوزيع السكاكر عبر ماكينات بيع ذاتي. درس في "سيتي كوليدج"، الجامعة المعروفة بأنّها خرّجت أبرز وجوه المحافظين الجدد، الذين قادوا الحرب على العراق، ولكنه لم يكمل الدراسة ليتفرغ لمشاريعه، التي حوّل بموجبها خريجي جامعته الصهاينة لأشخاص يخدمون أجنداته
المرة الثانية التي ضحك فيها أديلسون، عندما وقف دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، يعلن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. لعله تذكّر تقريعه ترامب قبل ستة أشهر بسبب تأجيل نقل السفارة. ولعله تذكر ترامب وهم يسألونه في الأيام المبكرة من حملته الانتخابية عن القدس فيجيب: "يريدونها عاصمة لم لا". ولعل ترامب كان يتحدث عن التفاهمات التي حصل بموجبها على 25 مليون دولار تبرعاً من أديلسون لحملته الانتخابية، تلاها خمسة ملايين أخرى، لتمويل حفل تنصيبه. لعله تذكر جلسات التنسيق مع رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية مورتون كلاين، والاتصالات مع نتنياهو، الذي تابع الأمر بصمت.
ليست القضية 30 مليون دولار، فالعرب يدفعون بسخاء لو كان الأمر كذلك، ولكنها منظومة سياسية، إعلامية وثقافية واقتصادية وشخصية متكاملة.
عندما وجه وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور عام 1917 وعده للثري اليهودي المصرفي إدموند روتشليد، كان ينشد أيضاً نفوذ اليهود المالي والانتخابي، خصوصاً في مدينة مانشستر الإنجليزية، التي يخوض الانتخابات فيها فيخسرها حيناً ويفوز حيناً آخر. كأن ترامب هو بلفور الجديد، وأديلسون هو روتشيلد 2017، وكأن نتنياهو هو حاييم وايزمن الجديد (رئيس الحركة الصهيونية قبل مائة عام).
هناك كذلك الشاب اليهودي الملياردير الصهيوني الذي ضحك مرتين أيضاً، للسببين نفسيهما. هل تذكَّرَ كيف زارهم نتنياهو في بيتهم منتصف التسعينيات، ونام في سريره، بحسب قرار والده، الذي أرسله لينام في طابق التسوية، وباتت علاقة كوشنير بنتنياهو علاقة الصبي بعمه، صديق والده، والقائد السياسي المُلهِم.
وأيضاً، وبينما كان الفلسطينيون يتخيلون كوشنير ينهي خطة السلام، كان يعقد اجتماعات ويدير حملة خفض الضرائب. وقام هو وزوجته إيفانكا بدعوة أعضاء الكونغرس لبيتهم لنقاش الأمر، والتقت هي أعضاء كونغرس، وبحسب CNN سافرت لأماكن عدة لتسويق القانون الضريبي مدعية أنها تخدم الأسر والعائلات الفقيرة، واستخدمت "دبلوماسية العشاء" بدعوة السياسيين لبيتهما لمناقشة الأمر.
وكوشنير (36 عاماً) يستثمر في العقارات وفي وسائل الإعلام والصحف، تولى استثمارات العائلة العام 2008، عقب سجن والده بتهمة التهرب الضريبي. وبعدها بعام تزوج إيفانكا وتحولت لليهودية.
شخص آخر، هو جيسون غرينبلات، من يسمى مسؤول المفاوضات في فريق ترامب، ولكنه في الأصل، المسؤول القانوني في شركات ترامب. هل شارك في صياغة قانون الضرائب، وصياغة إعلان القدس، بينما يتظاهر بالانشغال في عملية السلام؟.
ضحك، كذلك، ديفيد فريدمان، المحامي اليهودي الذي يتحدث العبرية، المتخصص بقضايا الإفلاس، الذي عينه ترامب سفيراً لدى الإسرائيليين، والذي يؤيد الاستيطان وضم القدس والضفة الغربية. فموكلوه حققوا أرباحًا طائلة، وهو سينتقل للقدس.
هي قصة فيها رجل العقارات والإعلام، الذي صار رئيساً للولايات المتحدة، مع مندوب شركة المفروشات السابق، بنيامين نتنياهو، صديق والد كوشنير، المقرب من أديلسون، الذي يعتقِد أنّهُ "ملك القدس الجديد".
*أستاذ مساعد في الدراسات الدولية والعلوم السياسية بجامعة بيرزيت
الخميس, 28 نوفمبر 2024