الاثنين, 30 يونيو 2025

الهزيمة الإيرانية في حرب كانت مؤجلة

244 مشاهدة
منذ يوم

الهزيمه الإيرانية في حرب كانت مؤجلة 

كتب:احمد سعدو

كانت الحرب بين إسرائيل وإيران، حربًا مؤجلة إسرائيليًا منذ فترة طويلة، وكانت إسرائيل كما يبدو تنتظر الفرصة السانحة واللحظة الزمنية المناسبة، حتى تبدأ، وحتى تكون في أحد فسطاطين اثنين، إما أن تكون حربًا عسكرية تأديبية سريعة، تمنع وتعيق التمدد الإيراني نحو مصالح إسرائيل في المنطقة، أو أنها ستكون الحرب القاضية التي يمكن أن تطيح بحكم وسلطة نظام دولة الملالي في طهران، لكن إسرائيل ومعها بكل وضوح الولايات المتحدة الأميركية بإدارة دونالد ترمب، وكما ظهر جليًا، اختارت هذه الحرب في هذه اللحظة الزمنية لتكون تلك الحرب التأديبية فقط، التي تمنع الخطر الإيراني النووي لفترة زمنية طويلة، كما تقوم بتحجيم الدور الإيراني (الذي تمدد كثيرًا خلال العقود الأخيرة) ليبقى محصورًا فقط داخل حدود جغرافية إيران السياسية المعروفة.

المهم فإن إسرائيل الخارجة مزهوة جدًا من حربها الطويلة/ حرب الإبادة ضد قطاع غزة والشعب الفلسطيني، وهي التي دمرت كل البنية التحتية لمليشيا حزب الله في لبنان، ثم حجمت جل نفوذ وقدرات هذا الحزب /المليشيا، والذي كان ومازال أداة تنفيذية مطيعة لنظام ولاية الفقيه في طهران، فقد وجدت إسرائيل أن الفرصة باتت متاحة ومناسبة أمامها لتبدأها حربًا عسكرية تأديبية بدعم أميركي واضح، تدمر بها وعبرها المفاعل النووي وبنيته التحتية، وتمنع أية احتمالات قادمة للتعدي على إسرائيل ومصالحها في المنطقة، ضمن أتون ذاك الصراع المصلحي والتخادم القائم بين إسرائيل ونظام الملالي في إيران.

لقد تمكنت إسرائيل واقعيًا بعد حرب مدتها 12 يوم فقط، من أن تعيد نظام الملالي الإيراني برمته عشرات السنين إلى الوراء، وليس ذلك عسكريًا فحسب، بل أيضًا اقتصاديًا وبنيويًا وعلمائيًا نوويًا، حتى باتت إيران بعد هذه الحرب محتارة في أمرها ماذا تفعل، وعلى أي سياسة سوف تسير في المنطقة، وهي المهزومة قبل ذلك في سورية بعد أن تم كنسها كليًا من الجغرافيا السورية، إبان هزيمتها مع نظام بشار الأسد، في 8 شهر كانون أول/ ديسمبر 2024، كما جرى قطع الطريق على امتدادات مشروعها الفارسي الطائفي في المنطقة العربية، ومن ثم إنهاء مسارات هذا الطريق، الذي كان يراد له أن يمتد من طهران إلى بغداد عبر دمشق وصولًا إلى بيروت على البحر الأبيض المتوسط.

الهزيمة الكبرى التي لحقت بإيران في سورية وتهشيم بنية حزب الله في لبنان، جعلها في واقع حيص وبيص، ثم جاءت حرب إسرائيل المباشرة عليها، وليس عبر الوكلاء، كما كان يجري سابقًا، لتكون ثالثة الأثافي وملجمة العمل والحركة، ومانعة جدية لعملية تصدير الثورة التي ابتدعها آية الله الخميني يومًا ما، وصولًا إلى قبول إيران من جديد، لحالة تجرع كأس السم التي سبق وقام بتجرعها (آية الله الخميني) إبان حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق أيام حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وبالطبع كل ذلك سيكون حفاظاً على مشروعها المنهار، واحتفاظًا بما تبقى لها من بنية، عمل عليها نظام الملالي منذ عام 1979 يوم خطف إيران من الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي. نظام الملالي الذي كاد أن ينهار في هذه الحرب الأخيرة لولا إنقاذه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرضه وقفًا لإطلاق النار، دفعًا أكيدًا بإيران نحو طاولة المفاوضات القادمة والمرتقبة، والتي لا مناص منها مع الأمريكان للإجهاز كليًا عل المشروع النووي الإيراني، حيث لم يكن مسموحًا ولم يعد كذلك اليوم أبدًا إقامة أي مشروع نووي في المنطقة سوى المشروع النووي الإسرائيلي المسموح به، والمغطى أميركيًا وأوروبياً.

لكن وضمن هذه المفاعيل الدراماتيكية، هل يمكن القول إن إسرائيل خرجت من حربها مع إيران بلا خسائر، وبلا خراب كبير؟ والجواب الموضوعي يقول: بالتأكيد فإن إسرائيل قد نالها الكثير من خراب للبنية التحتية، والكثير من القتلى، وأيضًا أحمال وأثقال في الإنفاق الاقتصادي، واحتمالات كبرى لهجرة بعض اليهود باتجاه أوربا والأميركتين ..إذ إنه حتى لو قال نتنياهو أنه قد انتصر في حربه ضد إيران، إلا أن الوقائع الميدانية الفاقعة تشير إلى وجود خسارات كبرى عل كل الأصعدة، لم تعهدها إسرائيل منذ زمن طويل، وهي الآن تحاول ما استطاعت أن تُظهر للداخل والخارج، أنها الأقوى وأن انتصارها هو الأهم كي تتمكن من الوصول (حسبما يريد نتنياهو) إلى بناء وإقامة شرق أوسط جديد على قده ومقاسه. وكما يبدو فإن إسرائيل التي يجري الحديث حولها مطولًا عن أن (العصر الإسرائيلي) قد بدأ في الظهور عمليًا، بعدما تمكنت إسرائيل من خلال قدراتها العسكرية والتكنولوجية الحديثة والمجهزة أميركيًا، من الهيمنة بالقوة على المنطقة برمتها، إبان حروبها المتتابعة، ويبدو أن الرئيس الأميركي (دونالد ترمب) يود استثمار ذلك، وقد وضعه في الجعبة التجارية، من أجل اقتناص الفرصة، نحو إقامة شرق أوسط جديد، ستكون فيه إسرائيل الدولة الأهم القادرة وهي المتحكمة بكل شيء، وتضغط أميركا جديًا نحو بناء علاقات واتفاقات أو تفاهمات واسعة مع كل دول الإقليم، من أجل الولوج واقعيًا وعمليًا بحل التسوية السياسي، الذي يطمح إليه دونالد ترامب، والذي (حسب رؤيته وتفكيره) يعطي الأمان لإسرائيل لعقود قادمة وطويلة، قبل أن يستفيق العرب من غفوتهم، ويعيدوا بناء وإنتاج مشروعهم العربي الكبير القادر على لجم كل أخطار المشروعين الأكثر خطرًا في المنطقة، وهما بكل تأكيد المشروع الصهيوني وكذلك المشروع الإيراني.

فهل نحن مقبلون فعلًا على مرحلة أو عصر يمكن تسميته (إرغامًا) بالعصر الإسرائيلي؟ وهل يمتلك العرب جميعًا في مستقبلاتهم المتحركة أية إمكانية للتصدي لمثل هذا المشروع؟

وإذا كانت إسرائيل قد انتصرت على إيران فإنها قد بدأت بوضع أحجار وأساسات البناء نحو عصرها هي، الذي لا يوجد في المنطقة حتى الآن من يقاومه أو يحجمه أو يعيده إلى أوضاعه السابقة على الأقل، وفي أضعف الإيمان.

كاتب وصحفي سوري

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *