الجمعة, 22 نوفمبر 2024

أمير طاهري يكتب: الإصلاح في إيران: على غرار ويستمنستر أم الإمامة؟

142 مشاهدة
منذ 7 سنوات
كان الأمر منذ قرابة خمس سنوات ماضية عندما أطلق «المرشد الأعلى» في إيران، آية الله علي خامنئي، فكرة الإصلاح الدستوري بهدف تحويل النظام الرئاسي للجمهورية الإسلامية إلى نظام برلماني. وتمحورت الفكرة حول إنهاء عملية انتخاب رئيس الجمهورية من خلال الاقتراع العام ومنح «المجلس الإسلامي» (البرلمان) سلطة اختيار رئيس للوزراء بحيث يترأس السلطة التنفيذية. وجاء إعلان خامنئي هذه الفكرة في أعقاب شجار علني اندلع عندما سعى الرئيس آنذاك محمود أحمدي نجاد لاستبدال وزير الأمن حيدر مصلحي، لكن صدرت له أوامر بالامتناع عن ذلك من قبل «المرشد الأعلى». ودارت حجة أحمدي نجاد في هذا الشأن حول أنه نظراً لأن الرئيس منتخب مباشرة من جانب أفراد الشعب، فإنه ينبغي له التمتع بحق اختيار مجلس الوزراء المعاون له. في المقابل، تمثلت حجة خامنئي في أنه في ظل الدستور الإسلامي، فإن لـ«المرشد الأعلى» الكلمة الأخيرة في جميع الشؤون، بل وبمقدوره تجميد سريان القواعد الرئيسة التي يقوم عليها الإسلام ذاته. وتمثل رد فعل أحمدي نجاد حينها في قضاء 11 يوماً في حالة من العزلة والخصام امتنع خلالها عن الاضطلاع بمهام منصبه كرئيس. إلا أنه رضخ نهاية الأمر لأوامر خامنئي. وتبعاً لما ذكرته بعض المصادر، فإن هذا الخلاف العلني دفع خامنئي إلى إصدار توجيهاته إلى مجموعة صغيرة من الخبراء الدستوريين لإعداد تقرير بخصوص إقرار نظام برلماني بالبلاد. وأضافت المصادر، أن التقرير، الذي لم يكشف النقاب عنه علانية، أوصى على ما يبدو بثلاثة خيارات ليختار «المرشد الأعلى» واحداً منها. يتمثل الخيار الأول في الإبقاء على منصب الرئيس، لكن بحيث يتولى «المرشد الأعلى» ترشيح الشخص الذي سيتولى هذا المنصب ويعرض على «المجلس الإسلامي» لنيل موافقته. وتحمل مسألة الإبقاء على لفظ «رئيس» أهمية كبيرة كي يضمن النظام قدرته على الادعاء بأن إيران ستظل جمهورية. وتمثل الخيار الثاني، والذي نال لبعض الوقت تأييد الرئيس الراحل هاشمي رافسنجاني، فيقوم على مزج منصب الرئيس مع «المرشد الأعلى»، بحيث يجري اختيار الشخص الذي يتولى هذا المنصب المستحدث من قبل أعضاء كل من «المجلس الإسلامي» ومجلس خبراء القيادة. ومن شأن هذا النظام وضع نهاية للتناقض الواضح بين الرئيس السياسي المنتخب والسلطة الدينية غير المنتخبة. أما الخيار الثالث، فيدور حول تعيين رئيس السلطة التنفيذية مباشرة، بل واستبداله إذا لزم الأمر، من جانب «المرشد الأعلى» الذي بمقدوره حمل لقب «الإمام». في إطار مثل هذا النظام، يتحول رئيس السلطة التنفيذية إلى مسؤول إداري، وليس صانع سياسات، بحيث يتولى تنفيذ السياسات التي يقرها «الإمام». من ناحيته، قال المؤرخ برويز نوري: «تعج الجمهورية الإسلامية التي أنشأها آية الله الراحل روح الله الخميني بالتناقضات منذ البداية، وذلك لرغبتها في الظهور بمظهر ديمقراطي بهدف إغراء الطبقات الوسطى ذات الطابع الغربي، لكن مع سعيها في الوقت ذاته لوضع سلطة مطلقة في يد رجال الدين الشيعة». بادئ الأمر، تضمن النظام الخميني رئيساً، يجري انتخابه مباشرة من جانب الشعب، ورئيساً للوزراء يختاره الرئيس ويوافق عليه «المجلس الإسلامي». إلا أن هذا شكل مصدر خلاف منذ اللحظة الأولى، ذلك أن أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الإسلامية، والذي ظل في منصبه لما يزيد قليلاً على العام، كان في خلاف مستمر مع رئيس الوزراء محمد علي رجائي. وقد تعرض بني صدر للطرد من منصبه على يد الخميني الذي عمل حينها باعتباره «المرشد الأعلى». ومع هذا، استمر التشاحن بين الرئيس ورئيس الوزراء، فعلى امتداد ثماني سنوات اضطلع خلالها علي خامنئي: «المرشد الأعلى» الحالي، بمهام الرئيس، ظل على خلاف مستمر مع رئيس الوزراء مير حسين موسوي. في نهاية الأمر، شكل خامنئي تحالفاً مع رئيس المجلس حينها، هاشمي رافسنجاني وعملا معاً على دفع تعديل دستوري ألغى منصب رئيس الوزراء تماماً. وبذلك، يتضح أن التوجه العام كان يتحرك نحو التركيز التدريجي للسلطة التنفيذية في يد «المرشد الأعلى». إلا أن التساؤل هنا: ما السبب وراء عودة هذا الجدال اليوم، في غضون أسابيع قليلة من إعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني لفترة رئاسية ثانية وأخيرة تستمر أربع سنوات؟ ربما يتمثل أحد الأسباب المحتملة في تنامي القلق بخصوص تداعيات رحيل خامنئي عن المشهد وصعوبة اختيار خليفة له بإمكانه التمتع بالمكانة ذاتها التي حظي بها خامنئي على امتداد الأعوام الـ330 الماضية. وربما يبدو «مرشد أعلى»، جرى اختياره من قبل مجموعة من الملالي متوسطي المكانة والنفوذ والمعروفين باسم «مجلس خبراء القيادة»، دون سلطة تذكر في مواجهة رئيس منتخب من جانب الشعب. والمعتقد أن مثل هذا الرئيس سيتمتع بنفوذ هائل من الممكن في ظل ظروف معينة أن يستغله لتقليص دور رجال الدين الشيعة في المشهد السياسي الوطني. وتكمن مخاطرة أكبر في إمكانية أن يختار الناخبون الإيرانيون، الذين يبدون ميلاً متزايدا تجاه التوجهات العلمانية، مرشحين يطرحون سياسات تعمد إلى تخفيف، إن لم يكن التخلي التام عن، الطابع الديني للنظام الحاكم. كما أن اختيار رئيس السلطة التنفيذية من قبل البرلمان ربما يسفر عن حالة من غياب الاستقرار مع تكون مجموعات أغلبية داخل البرلمان وتفككها من حين لآخر. من ناحيته، قال عضو «المجلس الإسلامي»، عبد الرضا هاشم زائي: إن الأهمية التحقيقية تكمن فيمن يملك الأغلبية داخل البرلمان في وقت محدد. وأضاف: «من الجوهري كذلك التعرف على الميول التي تقف وراء فكرة التحول لنظام برلماني». وشدد عضو آخر بالمجلس يدعى عزة الله يوسفيان على أن أي تغيير يجري إقراره يجب أن يعكس «رغبات المرشد الأعلى». وفي مقال له نشره في صحيفة «اعتماد» اليومية، الموالية لروحاني، أعرب الكاتب الصحافي علي أكبر غرجي عن رفضه فكرة إقرار نظام برلماني على أساس أن إيران لا يوجد بها أحزاب سياسية قادرة على ضمان الانضباط البرلماني من خلال أغلبية أو تحالفات مستقرة. وأضاف: «في الوقت الراهن، ينبغي أن نركز اهتمامنا على السماح بتكوين أحزاب سياسية». وأكد صادق زيبا كلام، المفكر البارز وأحد أنصار روحاني، أن إقرار نظام برلماني في إيران في هذه اللحظة ربما يشكل «انتكاسة للديمقراطية». وأوضح أن الفرق المتشددة هي المسيطرة على المؤسسات، بما في ذلك «المجلس الإسلامي»؛ ما يعني أن الانتخاب المباشر للرئيس يشكل الفرصة الوحيدة أمام المواطنين العاديين للتعبير عن ميولهم. وتوقع زيبا كلام أنه في ظل نظام برلماني لن يقع الاختيار على روحاني في منصب الرئيس من جانب «المجلس الإسلامي» الحالي، وإنما ستصبح الرئاسة من نصيب حجة الإسلام إبراهيم رئيسي، أشد خصومه راديكالية. ومع ذلك، فإن خيار «الإمامة» ربما يبدو أكثر ملاءمة بالنسبة للجمهورية الإسلامية. في ظل المذهب الجعفري، ينبغي للناس ألا يعترفوا بأي سلطة باعتبارها شرعية إلا إذا جاءت من «الإمام» باعتباره «معصوم». ولهذا تحديداً، أطلق آية الله الخميني على نفسه لقب «الإمام» من أجل وضع سلطته في مرتبة أعلى عن أي سلطة دنيوية، وبخاصة السياسية والعلمانية. وفي الفترة الأخيرة، أطلقت حملة لمنح خامنئي لقب «الإمام». وقد جرى الترويج لهذا المقترح على نطاق واسع عندما بعث الرئيس السوري بشار الأسد إلى خامنئي خطاباً خاطبه فيه بقوله «آية الله العظمى والإمام». وتبعاً للمذهب الجعفري، فإن صفة «العصمة» تقتصر على «علي وفاطمة» و11 من نسلهما من الذكور. ومع هذا، ثمة حملة جارية الآن لتوسيع نطاق مظلة هذه الصفة لتشمل خامنئي. وفي إطار خطاب ألقاه داخل مدينة قم في وقت سابق من الشهر، قال آية الله علي أنصاريان: إن المفهوم الحقيقي للإسلام انطبق على جميع الأنبياء البالغ عددهم 124 ألفا، بجانب الكثير من «المقربين»، وينبغي أن تنطبق على خامنئي أيضاً. من جهته، قال المؤرخ الديني نوري: «إقرار الإمامة الكاملة في إيران سيعكس الطبيعة الحقيقية للنظام الذي أسسه آية الله الخميني. كما أنه سيحسم التناقضات الكامنة داخل نظام ممزق بين الرغبة في محاكاة ممارسات غربية سياسية عصرية والحنين لصورة النظام الإسلامي تحت قيادة الأئمة». بوجه عام، يبدو خامنئي عاقداً العزم على إقرار إصلاحات دستورية لم تتضح معالمها بعد. وبالنسبة له ولإيران، بدأت عقارب الساعة في العد التنازلي. الشرق الأوسط

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *