الأحد, 8 سبتمبر 2024

طابور إيران الخامس| تشييع ومشاريع ومآرب أخرى في السودان (11)

2823 مشاهدة
منذ 6 سنوات

>> "البشير" يتهم إيران بـ"ممارسة التشييع" في السودان.. ويؤكد أن المنطقة مستهدفة من قبل حلف "صهيوني فارسي غربي"

>> المذهب الشيعي انتشر في البلاد شيئا فشيئا وفُتحت "الحسينيات" حتى وصل عدد الشيعة إلى 12 ألفا

>>أهمية السودان في الرؤية الإيرانية تنبع من موقعه الاستراتيجي ولكونه قريبا من مصر قلب العالم العربي

  خاص – قناة المحمّرة| شريف عبد الحميد: هذه هي الحلقة الحادية عشرة من الملف الكاشف "طابور إيران الخامس في الوطن العربي"، والذي بدأناه بعملاء طهران الناشطين في مصر، ثم الكويت والبحرين والسعودية والعراق والجزائر والمغرب وقطاع غزة واليمن، تليها هذه الحلقة عن عملاء إيران في السودان، كجزء من المخططات الإيرانية الشيطانية التي تستهدف الدول العربية عامة: كان السودان - ولا يزال- محط أنظار النظام الإيراني، خاصة بعد انفصال الجنوب  عن الشمال، فمنذ استيلاء "حكومة الإنقاذ" على السلطة في الخرطوم عام 1989، حدثت تغييرات عميقة في بنية المجتمع السوداني، كما أظهر النظام في تلك الفترة "ميولا دينية" منحت طهران فرصة مواتية للتغلغل في عمق الأراضي السودانية، سواء من خلال الصفقات السياسية أو المشاريع الاقتصادية أو جهود التشييع التي قامت على قدم وساق. وبعد تجربة مريرة مع إيران استمرت لأكثر من 20 عاما،  طالب الرئيس السوداني عمر البشير في يناير الماضي طهران بوقف برنامجها التوسعي الذي يستهدف النيل من العرب السُنة، ويرمي إلى السيطرة على أجزاء واسعة من العالم العربي. واتهم "البشير" في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة في 26 يناير 2017، إيران بـ"ممارسة التشييع" على نطاق واسع في أفريقيا بعدما مارسته في السودان، مؤكدا أن المنطقة مستهدفة "من قبل حلف صهيوني فارسي غربي". وكانت الحكومة السودانية أنهت قبل نحو شهر من تصريحات البشير، وتحديدا في ديسمبر 2016، عقد استئجار مبنى سفارة السودان بالعاصمة الإيرانية طهران، وباعت كافة محتوياته، في إشارة أظهرت مضي الخرطوم في خطوة قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران نهائيا. كما سارعت السلطات السودانية كذلك إلى إغلاق السفارة الإيرانية في الخرطوم، وتشميعها بالشمع الأحمر وإخضاعها للحراسة. اللعب في "الحديقة الإفريقية" سعى نظام الملالي الحاكم في طهران منذ ثورة 1979 جاهدا إلى التمدد في كل بقاع الشرق الأوسط، وخاصة في "الحديقة الإفريقية" للعالم العربي، حيث يمكن للدول الفقيرة في هذه المناطق أن ترحب بالدعم الإيراني بأشكاله كافة، جنبا إلى جنب مع المد الشيعي المستهدف في قلب أفريقيا المسلمة. وتنبع أهمية السودان في هذه الرؤية الإيرانية من موقعه الاستراتيجي، لكونه قريبا من قلب العالم العربي، وخاصة مصر، فضلا عن وقوع السودان بين أهم معبرين للتجارة العالمية والنفط في المنطقة، وهما قناة السويس وباب المندب، حيث تعبر يومياً نحو 100 سفينة و120 ألف برميل من نفط الخليج إلى أوروبا وأمريكا، بالإضافة إلى ما يحتويه السودان من ثروات طبيعية منها الذهب واليورانيوم، وخلافه. وشهدت العلاقات بين إيران والسودان تطورات في المجالين العسكري الاستراتيجي والاقتصادي على مرّ السنين، وتوجت هذه العلاقات بتوقيع اتفاق للتعاون العسكري والأمني في عام 2008. وخلال العام التالي 2009 تكثفت الزيارات بين الدولتين، وأدان رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني أثناء زيارته للخرطوم مذكرة الاعتقال التي صدرت من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس عمر البشير، واعتبرها إهانة مباشرة للمسلمين. وفي نفس العام أقيم أول احتفال شيعي بشكل علني في الخرطوم بمناسبة عيد ميلاد "الإمام المهدي"، شهده حوالي 1000 من الشيعة، وأعلنت بعدها "الحسينيات" في العاصمة وولايات السودان المختلفة احتفالاتها السنوية بعيد مولد السيدة فاطمة الزهراء وعاشوراء. ويقسّم الباحث د. محمد بن صالح العلي تطورات النفوذ الإيراني في السودان إلى ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى تمتد من بداية الثورة الإيرانية حتى عام 1985، وفي تلك المرحلة كان النفوذ الإيراني يتعاظم في الدول الأفريقية وخاصة السودان عن طريق السفارات الإيرانية في تلك الدول، دون إنشاء مؤسسات مستقلة. وفي المرحلة الثانية، أي بعد عام 1985، وفق الباحث، أصبح النفوذ الإيراني في السودان أكثر مؤسساتية وعلنية، وأصبح هناك العديد من المؤسسات تنشط بصورة مستقلة خارج نطاق الاتصال مع السفارة الإيرانية في السودان، ومن أهم هذه المؤسسات، تلك المؤسسات الحكومية التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ومنظمة الدعوة الإسلامية، والجمعية العالمية لأهل البيت، وجمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية، ومنظمة المدارس والحوزات العلمية خارج الدولة، والمركز الدولي للعلوم الإسلامية، وكذلك المنظمات غير الحكومية التابعة لمكاتب بعض المراجع الشيعية التقليدية، ومكتب الحوزة العلمية في قم، والحرس الثوري، والجهاد، وغيرها. أما المرحلة الثالثة من النفوذ الإيراني في السودان فقد بدأت بعد شهر سبتمبر 1995، وفي هذه المرحلة كان يجب على جميع هذه المؤسسات تنفيذ الأنشطة الثقافية خارج إيران، عن طريق استخدام استراتيجية شاملة، عن طريق إنشاء ملحقيات ومراكز ثقافية في الدول الأخرى، ومنها السودان. مخاطر التشييع في السودان فتح حادث إقدام شاب سوداني على قتل شاب شيعي في "دارفور" قبل بضع سنوات لأنه سب أم المؤمنين السيدة عائشة، رضي الله عنها، الباب واسعا حول موضوع التشيع في السودان والنشاطات التي تؤديها مراكز ثقافية تابعة لإيران في سبيل دعم المد الشيعي وسط السودانيين. وفي تلك الفترة، بدأ المذهب الشيعي بالانتشار شيئا فشيئا، وفُتحت "حسينيات" في الخرطوم وسط كتمان شديد، حتى وصل عدد الشيعة في البلاد إلى نحو 12 ألفا، فضلا عن المئات ممن اعتنقوا المذهب الشيعي سرا، حيث اعتمدت جهود التشييع على طبيعة التسامح الديني التي كانت متجذرة في المجتمع السوداني حتى انفصال الجنوب، ونفذ عبر ثغرة مشاعر التعاطف السوداني مع "آل البيت" رضي الله عنهم بحكم انتشار التصوف في السودان. وفي 2006 دق جرس الإنذار منبها إلى تنامي حجم التمدد الشيعي في السودان، على خلفية نشر 6 أجنحة في معرض الخرطوم الدولي للكتاب في ذلك العام كتبا إيرانية ولبنانية شيعية، تقدح في صحابة الرسول الله صلى الله عليه وسلم. وتم إغلاق تلك الأجنحة بعد حملة شعبية اعترضت على ذلك الوجود وسُحبت الكتب الشيعية من المعرض. ونجحت إيران في العبور إلى عمق الدولة السودانية على المستوى الرسمي عبر اتجاهين، الاتجاه الأول سياسي، خاصة بعد تفاقم حجم عزلة السودان الدولية. فعندما اتجه السودان صوب إيران كان بدافع هذه العزلة التي خلقتها العقوبات الأمريكية والقرارات الدولية بتصنيفه من ضمن الدول الراعية للإرهاب ومكوثه في هذه القائمة بمعية إيران. والاتجاه الثالث اقتصادي، فعندما اتجه السودان نحو إيران كان يعوّل عليها اقتصاديا خاصة بعد انفصال الجنوب، وقد وجد السودان توجها مماثلا وإغراءات من طهران في هذا الشأن اعتمدت على استراتيجية تقديم دعم محدود من أجل إنفاذ برامجها فقط، فلم يظفر السودان من هذا التعاون إلا بمقترحات لمشاريع عسكرية مقترحة، لم تر النور أبدا، كما لم تكسب الخرطوم من طهران شيئا يُذكر غير ما أرادت هي إنفاقه في خدمة مصالحها ووجودها في السودان وتوسعها نحو أفريقيا. ويمكن القول إن السودان قد خسر في تلك الفترة بفقده دعم دول الخليج بالمقابل والتي كانت تدرّ عليه المساعدات ومشاريع التعاون في مجالات الاستثمار الزراعي والصناعي والتجاري وغيرها.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *