العرب - علي الأمين
في الحملة الانتخابية النيابية التي يروّج لها حزب الله في لبنان اليوم، يشكّل خطر قيام حرب إسرائيلية قريبة منه، أحد أبرز عناوين حملته الانتخابية.
حزب الله الذي كان له الدور الأبرز في إنجاز قانون انتخاب يتيح له اختراق التمثيل النيابي في الطوائف اللبنانية الأخرى، ويوفر له السيطرة على التمثيل الشيعي، بدأ قبل أكثر من شهر ونصف الشهر من موعد الانتخابات في السادس من مايو المقبل، أمام معضلة مع جمهوره.
وتتصل هذه المعضلة في البعدين الاقتصادي والإنمائي، وفي تنامي الانتقادات لأداء نوابه في السنوات التسع الماضية على هذا الصعيد، حيث تشهد منطقة بعلبك الهرمل، المنطقة التي حضنت تأسيس حزب الله في العام 1982، أسوأ ظروف الحياة الاقتصادية في لبنان، وعلى الرغم من تمثيل حزب الله لها في مجلس النواب منذ أكثر من ربع قرن، فإنها تشكّل المنطقة الأكثر إهمالا، وتعاني من أوضاع اجتماعية واقتصادية سيئة، وتشهد أكثر نسبة من الانفلات الأمني وانتشار العصابات الإجرامية ولمظاهر الخروج على القانون.
لم يجد حزب الله وسيلة لمواجهة حال التململ والاعتراض في بيئته، إلا لغة التخويف عبر استحضار عنوان الحرب الإسرائيلية، كخطر داهم، من دون أن ينسى في السياق نفسه ما يسميه خطر تنظيم داعش، متناسيا إعلان أمينه العام، حسن نصرالله، النصر على هذا التنظيم قبل أشهر.
فأمام عجزه عن تقديم إجابات موضوعية لجمهوره عن سبب تقصير ممثليه في البرلمان في تحسين أحوال منطقة البقاع وأهلها، وإزاء إصراره على ترشيح نفس النواب المتهمين بالتقصير والفساد مجددا إلى الندوة البرلمانية، في خطوة هي أقرب إلى تحدي جمهوره، كانت حالة الاعتراض والتململ تمتد وتعبر عن نفسها بوسائل مختلفة، وهذا ما دفع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، إلى إطلاق تحذير من خطر وصول نواب إلى البرلمان ممن يدعمهم تنظيم داعش أو مموليه، ولم يكتفِ بذلك بل قال “إذا اقتضى الأمر أن أزور هذه المنطقة قرية قرية من أجل دعم لائحة الحزب فسأقوم بذلك”، وهي إشارة واضحة إلى شعوره بأنّ أهالي البقاع لم يعودوا كما كانوا سابقا ملتزمين بتوجيهات حزب الله وأمينه العام، أي أن حالة التململ تهدد فعليا وصول كامل مرشحي حزب الله إلى الندوة البرلمانية في كل الدورات الانتخابية منذ العام 1992 حتى آخر انتخابات نيابية جرت في العام 2009.
سلاح التخويف والتهديد الوجودي رفعه حزب الله في مواجهة بيئته الشيعية، بالقول إن الحرب ستحصل قريبا، فانتبهوا من عودة ممكنة لتنظيم داعش، وما إلى ذلك من ضخ تقارير صحيحة وأخرى مفبركة عبر العشرات من المنابر الإعلامية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تشكّل القناة السرية التي يوجه حزب الله من خلالها جمهوره بشكل غير رسمي.
والملفت في الأيام الماضية بث هذه المنابر حجما هائلا من الأخبار والتقارير التي تتحدث عن حرب إسرائيلية وشيكة على حزب الله، لكن أي متابع ومدقق للمواقف الإسرائيلية، سيجد أن لا تغييرا حدث في المواقف الإسرائيلية يبرر هذا الحجم المتداول من التقارير والأخبار عن حرب وشيكة على لبنان تحرص وسائل حزب الله الإعلامية المباشرة وغير المباشرة على بثها.
إذاً ليس لدى حزب الله ما يعطيه لجمهوره سوى بضاعة الخوف والتخويف، لمواجهة أسئلة الحياة اليومية في العيش وفي العمل وفي الحقوق التي لا ينالها المواطن.
وعلى الرغم من أن سمة الاستعلاء والاستقواء هي الأبرز في خطاب حزب الله تجاه مطالب اللبنانيين في تثبيت دور الدولة ومرجعيتها أمام تغوّل مشروع الدويلة، فإنّ نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، أعلن صراحة أنّ حزب الله المطمئن إلى فوز لوائحه لا سيما في المناطق الشيعية، يعمل على إيصال حلفائه إلى الندوة البرلمانية، أي أنّ حزب الله يريد أن يضمن لنفسه كتلة نيابية تستند إلى قاعدة شيعية صلبة، وتستكمل بنواب متنوعين من الطوائف المختلفة، بغاية أن تتحول هذه الكتلة إلى قوة نيابية يستخدمها الحزب في مواجهة أي مخاطر دستورية أو قانونية تتصل بدوره الاستراتيجي والعسكري.
على أن ذلك لا يعني أن حزب الله يولي اعتبارا أساسيا للعملية الدستورية، فهو الذي هُزم وحلفاؤه في الانتخابات النيابية عام 2009 نجح بسطوة سلاحه في إلغاء هذا الفوز، وحول الأكثرية النيابية إلى جانبه، بل نجح في إبعاد زعيم الأكثرية النيابية بعد الانتخابات، في ذلك التاريخ، سعد الحريري من رئاسة الحكومة، والإتيان بالرئيس نجيب ميقاتي بديلا منه، أي أنّ السلاح كفيل بأن يقلب المعادلات الدستورية لصالحه مهما كانت موازين مجلس النواب.
لكن ذلك لا يلغي اهتمام حزب الله بالانتخابات النيابية منذ إعداد قانونها وإقراره، وصولا إلى التحالفات ثم إجراء الانتخابات، بغاية إظهار أن وجوده لا يزال يحظى بشرعية شعبية، فالانتخابات اللبنانية رغم ما فيها من شوائب تخلّ بمصداقيتها، لا سيما في ظل استخدام سطوة السلاح والقدرة على تزوير النتائج في بعض الدوائر الخاضعة لسلطة حزب الله كما هو الحال في البقاع والجنوب، إلا أنّها تظهر إلى حد ما مؤشرات واتجاهات الرأي والتمثيل السياسي لدى الشعب اللبناني، ودلالات التغييرات الجزئية المتوقعة في هذه الانتخابات، ومنها ما هو داخل بيئة حزب الله.
من هنا فإن حزب الله يستخدم كل ما لديه من سطوة لترتيب النتائج الانتخابية في مناطق نفوذه ليس عبر تشكيل لائحته فحسب، بل هو متفرغ هذه الأيام لتشكيل لوائح خصومه، ويستخدم كل ما لديه من تأثير سياسي ومالي وأمني في تفتيت وتشتيت لوائح الخصم، والعمل على اختراقها سياسيا.
إذ أن حزب الله بحسب بعض المصادر المتابعة للانتخابات في بعلبك، نجح نسبيا في تعميق الشرخ بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل في هذه المنطقة، بما أربك حلفاءهم المفترضين في البيئة الشيعية، وساهم هذا الشرخ في إنعاش آمال حزب الله بمنع حصول خروقات كبيرة في لائحته.
وقد ذهب أحد الناشطين في تشكيل لائحة معارضة لحزب الله تضم كل القوى المتضررة والمعارضة، إلى القول إنّ “حزب الله ليس موجودا في لائحته الانتخابية فقط، بل إنه يدير لائحة معارضته”، ملمحا إلى “صفقة غير مستبعدة بين جهات رسمية وحزب الله من أجل منع خرق تمثيله النيابي في البقاع الشمالي، مقابل ثمن سياسي يقدّمه الحزب لهذه الجهة لاحقاً”.
وأكد الناشط المعارض لحزب الله أن الحزب مستعد لأن يدفع الكثير لمنع إحراجه في الانتخابات النيابية القادمة، وهناك من هو قابل من الذين يشاركونه في الحكم لبيع الفوز بثمن بخس، أي بمحاولة تصديع مختلف القوى المعارضة لحزب الله أو تشتيتها في لوائح انتخابية متعددة خاصة في منطقة البقاع الشمالي، وهي الهدية التي يشتهيها حزب الله اليوم في الانتخابات.
الجمعة, 27 ديسمبر 2024