تقرير- قناة المحمّرة
قبل أشهر قليلة رفع أنصار التيار الشيرازي بصوت عال شعار "الموت للولي الفقيه"، الأمر الذي أعاد إلى الواجعة من جديد الصراع المحتدم منذ عقود بين أنصاري ولاية الفقيه وشورى الفقهاء في العقيدة الشيعية. في مارس الماضي اعتقلت السلطات الإيرانية رجل الدين حسين الشيرازي، نجل المرجع الشيعي البارز صادق الحسين الشيرازي، بعد عتقاله اندلعت الاحتجاجات الغاضبة ضد السلطات الإيرانية في كل من الكويت والعراق، وفي العاصمة البريطانية لندن اقتحم المحتجون السفارة الإيرانية. تلك الأحداث تطرح تساؤلات كثيرة حول طبيعة العلاقة بين التيار الشيرازي ودولة الملالي، وأوجه الصراع بينهما رغم انتماء الاثنين إلى ذات العقيدة، ثم مسارات ذلك الصراع. البدايات الأولى.. في البدء تكون التيار الشيرازي في ستينات القرن الماضي على يد رجل الدين الشيعي الراحل محمد الشيرازي في مدينة كربلاء العراقية، وهو تيار يتبع المذهب الإثنا عشري، وقد انتشر كالنار في الهشيم في عديد البلدان والحوزات التي تنتشر فيها الشعية الإمامية. اتخذ التيار اسم حركة الرساليين، وما إن ظهر إلى العلن في كربلاء حتى واجه معارضة قوية من المرجعيات الشيعية في النجف، وبالأخص من مرجعية محسن الحكيم، وقد وصلت حدة الخلافات، في بعض الأحيان، بين التيار الشيرازي في كربلاء، والمرجعيات الشيعية في النجف، إلى صدامات عنيفة بين مواكب المدينتين في مواسم الزيارات. يركز الشيرازيون جل اهتماماهم على قضية العقيدة، ومن مظاهر ذلك الاهتمام اتباع منهج البراء الجهري، ويعني لديهم الولاء لآل البيت، والبراء المطلق من رموز أهل السنة والجماعة، وكذا بعض الصحابة وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم. ويتضح ذلك من خلال تحالفهم مع تيارات منحرفة، أبرزها الحجتية أو ما تعرف بالمهدوية، فالشيخية، والاخبارية، وكذا النصيرية، وكلها فرق موغلة في اتباع البدع والخرافات. بإحكام تنظيمي بالغ، تمكن الشيرازيون، خلال سبعينات القرن الماضي، من السيطرة على جزء كبير من الشارع الشيعي، حتى تناصفوه مع حزب الدعوة العراقي. خارج حدود كربلاء.. وخارج العراق، كانت أمام الشيرازيين فرصة لا تعوض لتجاوز كربلاء، وكانت علاقة مرجعية التيار محمد الشيرازي بالخميني بوابة لذلك العبور، فعلاقة الرجلين بدأت مطلع ستينات القرن الماضي،... فحين أبعد الخميني إلى العراق، استقبله محمد الشيرازي في كربلاء، وظل من أقرب مراجع الشيعة إليه، وبعد انتصار ثورة الملالي كان الشيرازيون يدها الضاربة، في مواجهة أنصار الشاه و القوى اليسارية المناهضة للحكم الديني، كما شاركوا في تأسيس اللجان الثورية ومليشيات حرس الثورة. ولم يقتصر الشيرازيون جهودهم على المجال الحركي الثوري، بل كانوا يديرون القسم العربي في الإذاعة والتلفزيون الإيراني، ثم أصبحوا متنفذين في سوق المال بعد سوق السياسة، حتى إنهم باتوا يملكون نصف بازار طهران. توسع التيار الشيرازي، وامتد نحو الخليج العربي، من خلال منصة اسمها منظمة العمل الإسلامي، بقيادة محمد تقي المدرسي، وهو ابن أخت الشيرازي. أما ابن اخته الآخر، وممثل الخميني في البحرين، هادي المدرسي، فقد تولى عام 1981 تأسيس أقوى تنظيم شيعي آنذاك وهو تنظيم ما عرف بالجبهة الإسلامية لتحرير البحرين. وفي المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية أسس الشيرازيون جماعة أخرى عرفت باسم، منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية، وهي الجبهة التي توسع نشاطها حتى شمل الكويت، التي يعتبرها الشيرازيون قاعدتهم الذهبية، ففيها الممول المالي الأكبر للتيار في العالم، وكذا حسينيات ووسائل إعلام ودعاية، لكن ذلك النشاط ظل محصورا في الجانب الثقافي والاجتماعي، ولم يصل مرحلة التنظيم السياسي. مفترق الطرق.. وفي مرحلة مبكرة من عمر الثورة، وجد الشيرازي والخميني نفسيهما أمام مفترق طرق، وكان لابد مما ليس بد، فعلى إثر خلاف حاد حول أمرين أساسين، أحدها رمزي والآخر ديني، انفرط عقد الوفاق. يدور الخلاف الرمزي حول تسمية إيران ما بعد 1979، فقد كان الشيرازي يقترح أن تحمل اسم، الدولة الشيعية في إيران، بدلا من الجمهورية الاسلامية. أما الخلاف الثاني، فيدور حول نظرية ولاية الفقيه، التي يتبناها الخميني، حيث إن الشيرازي يرى أن ولاية الفقيه يجب أن تكون في مجلس لشورى الفقهاء، ولاتحتكر في فقيه واحد. وما إن تبلور الخلاف بين الرجلين، حتى أخذ الخميني يبعد أنصار الشيرازي عن كل مفاصل الدولة، وقد كانوا يومذاك أصحاب كلمة وفعل في إدارة شؤون البلاد. وبعد وفاة الخميني استمر الحال ذاته، بل لم يعترف الشيرازيون بخليفته خامنئي، الذي اعتبروه شخصا جاهلا وغير مؤهل أصلا لأن يكون مرجعية فكيف بأن يكون خليفة للإمام الغائب، وفق زعمهم.... وخامنئي، المعروف بميوله لحزب الدعوة، الغريم التاريخي للتيار الشيرازي، كان أكثر استعدادا للتضييق على الشيرازيين.