الثلاثاء, 3 ديسمبر 2024

الخطر الإيراني في أفريقيا.. تشييع تحت ستار «الاستثمار»

5153 مشاهدة
منذ 7 سنوات

>> موسى الصدر أرسل عام 1969 داعية لبنانيا للعمل على نشر المذهب الشيعي في القارة السمراء >> الداعية الشيعي السوداني معتصم سيد أحمد: هناك «تربة خصبة» للتشيّع في دول القارة الأفريقية >> حادث تحطم طائرة يكشف عمليات «غسل أموال» واسعة النطاق ينفذها «حزب الله» في دولة بنين >> طهران عملت على خلق بذور العداء بين الشعوب العربية والإفريقية بدعاوى دينية وعرقية وثقافية >> إيران تتطلع إلى مخزونات النفط والغاز والفحم واليورانيوم في إفريقيا والتي تقدَّر بـ 14.5 تريليون دولار خاص – قناة المحمّرة| شريف عبد الحميد: في عام 2004، كشف حادث طيران مرّوع عن مدى خطر التغلغل الإيراني في أفريقيا، فقد تحطمت آنذاك طائرة تابعة لـ «اتحاد النقل الأفريقي» عند إقلاعها من مطار مدينة «كوتونو» العاصمة الاقتصادية لدولة بنين، وتبيّن للسلطات أن الطائرة كانت تحمل مسؤولا في «حزب الله» اللبناني واثنين من مساعديه، وكان بحوزتهم مبلغ مليوني دولار، فسارع الحزب - وقتها- إلى الزعم بأن هذه المبلغ هو عبارة عن «تبرعات» قدمها أثرياء اللبنانيين الذين يمارسون نشاطا اقتصاديا في أفريقيا لصالح الحزب. غير أن ماثيو ليفيت، مدير «برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب» في «معهد واشنطن للدراسات» كشف آنذاك عن أن ناشطي «حزب الله» في أفريقيا يقومون باستثمار وغسيل كميات كبيرة من الأموال، بشكل واسع النطاق، ويقومون بتجنيد ناشطين محليين، وجمع معلومات ذات «طابع استخباراتي». هذا الحادث، هو غيض من فيض النشاط الإيراني الكبير في القارة السمراء، حيث يعمد نظام «آيات الله» المدعين منذ قيام الثورة في البلاد عام 1979، إلى نشر التشيّع في أفريقيا عبر الاستثمار المباشر وعمليات غسل الأموال وإنشاء المراكز الثقافية، وغير ذلك من الوسائل المُعلنة والخفية. الانفتاح الإيراني على أفريقيا يوضح باحثو «مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية» أن الشيعة تُعد من الأقليات في أفريقيا، وتبلغ نسبتهم بين 5 و10 بالمئة من مجموع السكان المسلمين وأغلبهم متأثّرون بالتشيع الإيراني وقادتهم تمّ توظيفهم من طرف إيران. وعند الحديث عن التغلغل الشيعي في أفريقيا، يستحضر الذهن فورا دولتي نيجيريا والسنغال بدرجة أولى، حيث تتكاثر الأقلية الشيعية في البلدين، بشكل مثير للدهشة، وسط أغلبية سنية. وحسب دراسة للدكتور معتصم صديق عبد الله، الباحث في «مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية»، فإن الانفتاح الإيراني على أفريقيا يرجع إلى فترة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، الذي أَولى القارة السمراء اهتماما كبيرا، بعد زيارته السُّودان عام 1991. وكانت هذه الزيارة إيذانا بعصر جديد في علاقات طهران مع إفريقيا، ونقطة انطلاق لتوسيع دائرة اهتمامها بهذه القارة، إذ تمدّد هذا التوسع ليشمل دولا إفريقية أخرى، مثل جنوب إفريقيا وكينيا وتنزانيا وزيمبابوي وأوغندا ونيجيريا والنيجر والكاميرون والسنغال وجزر القمر والصومال وجيبوتي وغانا. ووفق الباحث، كانت إفريقيا ضمن أجندة كلّ من تعاقب على الرئاسة في إيران، فبعد زيارة رفسنجاني للسّودان، التي تبعها بزيارة أخرى عام 1996، جاءت زيارات الرئيس الأسبق محمد خاتمي إلى عدد من الدول الإفريقية، فأعطت دفعة جديدة للعلاقات الإيرانية مع هذه الدول، من خلال تأسيس أُطر ولجان مشتركة أُلقى على عاتقها مهمة متابعة الاتفاقيات بين إيران وهذه الدول، ومن بعده أجرى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد هو الآخر عدة زيارات لإفريقيا اتَّسَمَت بطابع أيديولوجي في أغلبها، مرورًا بالرئيس الحالي حسن روحاني الذي أوفد وزير خارجيته محمد جواد ظريف في عدد من الزيارات إلى شرق إفريقيا في شتاء 2014، وزيارة أخرى إلى دول شمال إفريقيا في صيف 2015، إضافة إلى جولته الأخيرة في دول غرب إفريقيا في شهر يوليو 2016. ولعل هذه الزيارات المتعاقبة تعكس رغبة النظام الإيراني في المضي قُدُمًا في توطيد عَلاقاته مع أكبر عدد من الدُّوَل الإفريقية. وأسفرت هذه الزيارات المتعاقبة للمسؤولين الإيرانيين إلى هذه الدول عن معاهدات ثنائية واتفاقيات استثمارية مشتركة، في مجالات إنشاء السدود وصناعة السيارات والطاقة والشؤون المالية والمصرفية، إضافة إلى التعاون الثقافي والتعليمي، كما قدمت إيران وعودا اقتصادية جاذبة اضطُرت من خلالها كثيرًا من الدُّوَل الإفريقية إلى تقديم تنازلات في مَلَفَّات استراتيجية وأمنيَّة. وبذلك، تمكّنت إيران من التغلغل عميقا في أفريقيا عبر «التبشير الشيعي» الذي يجري على قدم وساق من خلال البعثات العلمية والمؤسسات التعليمية الخاصة والمراكز الثقافية والحوزات العلمية، وجمعيات «الهلال الأحمر» والمؤسسات الإيرانية المختلفة. ويشير الخبراء إلى أن الإيرانيين استغلوا في وقت من الأوقات، غياب تراجع الاهتمام العربي الإسلامي السني، والذي تقوده بالأساس المملكة العربية السعودية، ليحققوا نقلة كبيرة في تواجدهم في أفريقيا. «تربة خصبة للتشيّع» في هذا السياق، يؤكد الداعية الشيعي السوداني معتصم سيد أحمد أن "هنالك تربة خصبة للتشيّع في القارة الإفريقية؛ فإذا نظرنا للجزء الشمالي من القارة الإفريقية من مصر والجزائر والمغرب والسودان، نجد أن هناك حُبّاً متجذراً في نفوس هذه الشعوب بالولاء لأهل البيت (رضي الله عنهم)، كذلك هنالك نوع من البساطة في قبول الطرف الآخر؛ فالإفريقي بشكل عام متسامح يقبل الحوار ويقبل الطرف الآخر، بعكس بعض العقليات المتشددة الموجودة في البوادي". وإلى ذلك، يرى الباحث أمير سعيد، صاحب كتاب «خريطة التشيّع في العالم»، إنه لا يمكننا أن نفسر هذا التدفق الدعوي الشيعي إلى إفريقيا في ضوء هذا المعيار وحده، الذي ينظر به دعاة التشيع إلى إفريقيا كأرض خصبة فقط لنشر معتقداتهم؛ بل ينبغي أن نستحضر جملة من الأسباب الدافعة إلى هذا الالتفات الإيراني إلى هذه القارة المقهورة، وهي من تحرِّك غيرها من الدول ليس لنشر معتقدات بالضرورة؛ بل إلى الاستثمار والهيمنة وإيجاد موطئ قدم لها على أرض الكنوز الدفينة، فهناك مخزونات قابلة للاستخراج من النفط الخام والغاز والفحم واليورانيوم في إفريقيا تقدَّر بنحو 13 - 14.5 تريليون دولار، و 1.7 تريليون دولار من الثروة الكامنة والإنتاج في قطاعات مثل: الزراعة والسياحة والمياه. وينوّه الباحث إلى أن الاقتصاد غير بعيد عن طموحات إيران في إفريقيا، والسياسة تدفعها إلى محاكاة إسرائيل في الاتجاه إلى إفريقيا التي توفر عددا كبيرا من الأصوات في الأمم المتحدة، وتحرص الدول ولاسيما الدول ذات السجل الحقوقي والأمني السيء كإسرائيل وإيران والصين، على استقطاب أصوات هذه البلدان. فيما يؤكد بيتر فام، مدير مجموعة «أفريكا سانتر البحثية» التابعة لمجموعة التفكير الأمريكية (أتلانتيك كاونسيل) أن "إيران لا تكتف بمعاركها المكشوفة في الشرق الأوسط لتقوية تمددها في المنطقة، بل وضعت خططا منفصلة لتثبيت هذا التمدد في أفريقيا ذات الثقل الاستراتيجي والجغرافي والكثافة السكانية العالية، والتي يمثّل فيها المسلمون ثقلا كبيرا". وعن آليات نشر التشيّع في القارة، يقول الكاتب عبد الله أوفى إن "المتابع لآليات ووسائل وطرائق نشر التشيع في العالم وخاصة في أفريقيا، يعجز عن فهمها بعيدا عن مراقبة وتحليل التحركات الإيرانية الدؤوبة، فالعلاقة بين مؤسسات الدولة الإيرانية ومنظمات المجتمع المدني والكيانات الدينية في إيران وبين المد الشيعي في الخارج شديدة الارتباط، فلا يمكن الوصول إلى نتيجة عامة يمكن من خلالها فهم أي من العامليْن يخدم الآخر. فهل يحقق المد الشيعي أهداف إيران، أم أن الدولة الإيرانية هي من تخدم متطلبات التشيع؟". ويشير الكاتب إلى أنه "منذ قيام الثورة في إيران، لاحت في الأفق بوادر ما عًرف حينها بتصدير الثورة إلى المحيط الإقليمي، والذي أأخفى تحت عباءته دلالات التبشير ونشر المذهب الشيعي. وبمرور السنوات لم تتخل الكيانات الدينية في إيران عن نهجها في نشر التشيع، بينما المؤسسات الرسمية في الدولة الإيرانية كثيرا ما تنكر أي اتهامات تتعلق بالسعي أو تسهيل نشر المذهب الشيعي في الدول السنية، لذلك فإن التنظيمات الإيرانية المجتمعية، خاصة ذات الصبغة الدينية منها، تأخذ على عاتقها القيام بذلك. ويوضح الكاتب أن "الجاليات اللبنانية الشيعية المهاجرة مثلّت أول رافد لنشأة المذهب الجعفري في دول منطقة غرب أفريقيا خاصة في السنغال، حيث بدأ التواجد الفعلي بها عام 1969 بقدوم الشيخ عبد المنعم الزين اللبناني المدفوع من قِبل موسى الصدر، الداعية الشيعي الشهير الذي اختفى في ظروف غامضة أثناء وجوده في ليبيا، للعمل على نشر المذهب الشيعي في هذه المنطقة من العالم". وقد حظي التمدد الشيعي بالرعاية السياسية والدبلوماسية، فبسبب الحصار على إيران منتصف عقد الثمانينيات، جراء الأزمات المتلاحقة بدأ العمل على تنسيق جهود «الدبلوماسية الشعبية» لتأسيس وجود قوي ومنظم في هذه البلدان الأفريقية. وتأسست في العديد من البلدان الأفريقية جمعيات ومنتديات تدعمها كيانات دينية إيرانية، وهي متعددة ومتنوعة بجانب استخدام الشيعة العديد من الاستثمارات المالية والبشرية لنشر مذهبهم وتعزيز وجودهم السياسي والاقتصادي في أفريقيا، ومن أهم الوسائل المستخدمة في تحقيق هذه الغايات ما يمكن رصده في إقامة المدارس والمراكز والمساجد «الحسينيات» ومؤسسات العمل الخيري التي تخدم نشر الفكر الشيعي، كما يعتبر توزيع الكتب العربية والمترجمة إلى الفرنسية التي تخدم المذهب الشيعي من أهم الطرائق التي أظهرت نتائج ملموسة في نشر التشيع". ويلفت الباحث السوداني عمر يحيى إلى أن إيران تسعى من خلال تغلغلها في القارة الأفريقية، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف يمكن تلخيصها في الآتي:

  • ترسيخ النفوذ السياسي الإيراني في أفريقيا.
  • الاستفادة من أصوات الدول الإفريقية في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية، فإفريقيا تمثل ثلث مقاعد الأمم المتحدة، وتشكل نصف «مجموعة عدم الانحياز»، وهو ما يعني أنها تمثل حليفا محتملا لإيران.
  • حشد التأييد الأفريقي وتأكيد جدارة إيران بلعب «دور قوى» في القارة، ومنافسة القوى الإقليمية الأخرى.
  • تدعيم المصالح الاقتصادية، حيث تزخر القارة الإفريقية باحتياطات يُعتد بها من المواد الخام الطبيعية، كما أنها تصدر بعض المواد التعدينية والمحاصيل الزراعية إلى السوق الإيرانية، وهى أيضا تمثل بثقلها السكاني ومساحتها سوقا واسعة لتسويق المنتجات الإيرانية التي تلقى رواجا في أفريقيا.
  • العمل على ترسيخ علاقتها الاقتصادية مع دول أفريقيا كمسار نفوذ وتأثير رئيسي، من خلال إنشاء المشاريع المختلفة في مجالات الزراعة والطاقة وإقامة السدود والمساكن وتعبيد الشوارع، وغيرها.
  • ربط النظام الاقتصادي لدول القارة الإفريقية بالمنظومة الاقتصادية الإيرانية.
  • إبراز الصورة القومية للدولة الإيرانية كـ «نموذج تنموي».
  • تصدير ما يُسمى بـ «الثورة الإسلامية» ونشر مبادئها كأحد الأهداف المعلنة للثورة الإيرانية، التي تنظر إلى أفريقيا باعتبارها «قارة المستضعفين».
  • بناء تحالفات عسكرية و أمنية مع دول القارة الأفريقية .
  • فتح أسواق جديدة لشركات الأسلحة الإيرانية.
  • تثبيت أوجه التغلغل العسكري الإيراني بريا وبحريا في الدول الإفريقية والموانئ، بهدف السيطرة وتهديد خطوط الإبحار الدولية حال حدوث أي أزمات.

في المقابل، يستعرض الباحث د. السيد عوض عثمان، في دراسة بعنوان «النفوذ الإيراني الناعم في القارة الأفريقية» مخاطر هذا النفوذ على العالم العربي والإسلامي، والتي تتمثل في: *اختراق النظم الأمنية والإقليمية في منطقة القرن الأفريقي، حيث تتنافس كل من إسرائيل وإيران على إيجاد موطئ قدم لها حتى تكسر حالة اعتبار البحر الأحمر بحيرة عربية، وبدلا من أن تكون الدول العربية محاصِرة لإسرائيل وإيران في حال نشوب أي حرب، يصبح العالم العربي مُحاصرا من قبل تل أبيب وطهران، من خلال التحكم في الممرات المائية «مضيق هرمز، مضيق باب المندب»، فضلا عن الأطماع الغربية في السيطرة على هذه الممرات لسهولة الوصول لمناطق الصراع في الشرق الأوسط. *إشعال وتفجير الخلاف بين دول المنبع والمصب لحوض النيل، وقد كانت إسرائيل هي السبّاقة لإقامة علاقات استراتيجية مع دول المنبع «إثيوبيا، وإرتيريا، وكينيا، والكونغو»، للضغط على مصر والسودان، وتهديد الأمن المائي لهما، إلا أن إيران لحقت بإسرائيل للحصول على حصة من «أوراق الضغط» على مصر تحديداً في المستقبل بخصوص هذا الملف، وللمقايضة بها في ملفات أخرى من خلال نفوذها في تلك الدول. *محاولة تفجير مناطق الأطراف للنظام الإقليمي العربي في إفريقيا، إضافةً لما تقوم عليه سياسة إيران من «شد الأطراف»، فإنها تسعى لتفجير مناطق الأطراف مثل السودان وموريتانيا، وعملت على خلق بذور العداء بين الشعوب العربية والإفريقية بدعاوى دينية وعرقية وثقافية. *ضرب المصالح العربية في العمق الإفريقي.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *