تقرير – قناة المحمّرة
حين انطلقت شرارة الثورة السورية في مارس عام 2011، بدا وكأن إيران معنية بالحدث، أكثر من نظام حزب البعث الحاكم بالحديد والنار، والمستهدف أساسا بنداء الحرية، فتداعى مستشاروها العسكريون والسياسيون إلى دمشق، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ومع مرور الأشهر الأولى للثورة اتضح أن الاستشارات لا تفيد شيئا، فقررت إيران الملالي الرمي بثقلها كاملا لصد لهب الثورة عن وجه الدكتاتور، بشار الأسد.
مع بداية عام 2013، دخلت إيران ما تعتبرها الحرب المقدسة بحجة حماية المراقد والمزارات الشيعية، وجاء ذلك على شكل إعادة تنظيم الشبيحة، واللجان الشعبية في إطار ميليشيا تضم حوالي 150 ألف مقاتل تعرف باسم قوات الدفاع الوطني.
جاء ذلك في وقت كانت ظاهرة الإنشقاق عن جيش الأسد قد بلغت مداها، حيث تجاوز عدد الضباط المنشقين حتى منتصف عام 2013، ستة آلاف من مختلف الرتب، إضافة إلى انهيار القوى العسكرية للنظام وانكفائها على تأمين المدن المتبقية بيده.
كان ذلك فعلا سياسيا من الحجم الكبير، ولأنه كذلك فهو مصروف عن ظاهره، فماذا تريد إيران من وراء ذلك؟.
سورية المفيدة..
إيران تريد ما تسميها سورية المفيدة، وهي تعني ممرا جغرافيا يمتد من جهة من الساحل العلوي عبر حمص وضواحي دمشق وصولا إلى القلمون على الحدود اللبنانية، ومن جهة أخرى يمتد من حمص إلى الحدود العراقية مرورا بحلب ودير الزور.
لكن هذا الممر لن ينعم بالأمن ما لم يخلى من الأهالي السنة، ويؤمن كليا من قبل الميليشيات الشيعية، وخاصة حزب الله اللبناني، ويعود ذلك إلى انعدام الثقة بين الحرس الثوري الإيراني والجيش السوري، فأمر كهذا لا يمكن إسناده إلا ليد أمينة وتابعة مائة في المائة.
وفي سبيل ذلك، أجرى حزب الله الإرهابي عمليات تطهير في مناطق على طول الحدود كحملتيه في القصير والقلمون، عام 2013.
وتقول التقارير إن مئات الآلاف من العوائل العراقية، قد نقلت من المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية إلى سوريا من أجل إعادة تأهيل ضواحي دمشق التي تم إخلاؤها من سكانها السنة.
هكذا اتخذت إيران من الطائفية رافعة أساسية لتدخلها في سورية، وهو أمر ليس غريبا على الملالي، فطالما اتخذت سياساتهم طابعا طائفيا صرفا، يعطي الشرعية لقيام المشاريع بل وحتى الدول على أسس طائفية، وهنا فتش عن إسرائيل، الدولة المزعومة، التي قامت هي الأخرى على أسس طائفية وديننة مختلقة... إيران إذن تعطي المبرر السياسي والديني لوجود ذلك الكيان الغاصب.
[caption id="attachment_8457" align="alignnone" width="783"]
كبير الإرهابيين في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني في سورية (المصدر: الإنترنت)[/caption]
حزام أمان لإسرائيل..
في الحدود الشمالية لأرض فلسطين المحتلة، تقيم المليشيات الإيرانية حزام أمان لحماية الدولة اليهودية، التي لا تخشى هؤلاء، فالكلام الفارغ والخطب الصاخبة لا تشكل تهديدا عليها، فلتقل الدعاية الإيرانية ما تشاء.
ما يهم الدولة اليهودية هو أمنها، وما يهم دولة الملالي هو إحكام بنية الهلال الشيعي، وبعد ذلك لا بأس بتحالف بين الدولتين الصهيونية والصفوية ضد العدو المشترك، الدول العربية السنية.
بالنسبة لإيران فإن سورية ليست سوى جسر لإكمال مشروع طائفي لا تحكمه أي قيم أخلاقية أو دينية، ولا تقف في وجهه أي ثوابت سياسية، فحين يتم إحكام السيطرة على سورية وربطها بلبنان، فإن الخطوة الأخرى ستكون في الأردن.
هذا ما يفسر إصرار إيران على الاستمرار في تدخلها في سورية رغم الخسائر الثقيلة التي تكبدتها جراء ذلك، فتوابيت القتلى العائدة من ساحات المعارك أصبحت مشهدا مألوفا في إيران، ومن بينهم جنرالات كبار جاءوا إلى أرض الشام ليقتلوا فعادوا قتلى، ولن تعيدهم قطعا مشاهد التشييع الرمزية.
[caption id="attachment_8456" align="alignnone" width="792"]
تقيم المليشيات الشيعية حزام أمان لحماية إسرائيل (المصدر: الإنترنت)[/caption]
ماذا بعد؟..
من الواضح أن انتشار المليشيات من شأنه إضعاف أي نظام جديد يأتي بعد الانهيار المحتمل لنظام الأسد، وبالتالي ستكون تلك الميليشيات بمثابة ورقة تفاوضية في لعبة تبادل المصالح مع القوى المحلية والإقليمية والدولية، خاصة أن هذا الأسلوب أثبت نجاعته مع إيران في كل من لبنان واليمن.
لكن المشهد السوري يبدو معقدا أكثر من غيره، وفي ظل ذلك التعقيد يبدو باب الاحتمال مفتوحا على مصراعيه، والحالة تلك، فهل ستعود إيران من مهمتها في سورية ـ غير المقدسة ـ بخفي حنين؟.
[caption id="attachment_8458" align="alignnone" width="775"]
توابيت القتلى الإيرانيين لا تتوقف (المصدر: الإنترنت)[/caption]