تحت ذريعة مواجهة الأطماع الغربية في منطقة القرن الإفريقي، خدعت إيران ساسة وشعوب بعض بلدان تلك المنطقة، فتوغلت فيها خلال السنوات الماضية كما تفعل خارج حدودها.
إن القرن الإفريقي، الذي يحتل أهمية خاصة في السياسة التوسعية الإيرانية، حيث تطل المنطقة على المحيط الهندي من جهة، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من الجهة الأخرى، وهو ما جعل دول القرن الإفريقي المتحكم الأساس في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج العربي باتجاه أروبا، بل إن للمنطقة أهمية أخرى ترتبط بوفرة الموارد الطبيعية، فهي تمتلك احتياطات هائلة من المعادن التي تستخدم في الصناعات الثقيلة.
العبور من بوابة الطائفية..
لكن الأهداف الطائفية على سلم الأولويات، فإيران الملالي تسعى منذ عقود إلى تصدير ثورتها من خلال المؤسسات والمراكز الثقافية التي تنشر العقيدة الشيعية الصفوية، وهي بذلك تمد نفوذها في المجتمعات الإسلامية التي تعيش في شرق إفريقيا.
نشر العقيدة الشيعة في المنطقة هو الضامن، من وجهة نظر الملالي، لخلق قواعد محلية موالية لتلك السياسات التوسعية.
لضمان تحقيق هذا الهدف وظف نظام الملالي مختلف الأدوات والآليات لنشر التشيع الصفوي في منطقة القرن الأفريقي، وأبرز تلك الأدوات هي الملحقيات الثقافية التابعة للسفارات الإيرانية، التي لها دور كبير في دعم التغلغل الإيراني في هذه المنطقة، المسكونة بالفقر والأزمات.
فقلة ذات اليد في هذه البلدان، كان نعمة على الملالي، فاستغلوا حاجة الناس فيها لنشر العقيدة الشيعية.
بوابات التشيع..
البوابة الدائمة لذلك أفرع الجامعات الإيرانية في تلك البلدان، وتقديم المنح لطلابها للدراسة في الحوزات الإيرانية، فضلا عن فروع المركز الثقافي الإيراني الذي يدعم دائما المشاركات في معارض الكتب والأسابيع الثقافية، ولا يقتصر دوره في دعم الأنشطة الثقافية لنشر التشيع الصفوي، إنما يتعداها لتمويل تيارات فكرية بهدف إعدادها للتأثير مستقبلا في سياسات دول القرن الأفريقي. ويعتبر التشيع في الوقت الحاضر هو الواجهة الناعمة للمشروع الإيراني في البلاد الاسلامية.
ففي إريتيريا تفيد التقارير بأن إيران تعمل بالفعل على نشر العقيدة الشيعية في صفوف كثير من مريدي أصحاب بعض الطرق الدينية، الذين لا يتمتعون بحصانة علمية وفكرية تمنعهم من الانزلاق نحو التشيع الصفوي، فضلا عن انتشار الأمية.
وفي أثيوبيا عملت إيران على محاربة عقيدة أهل السنة في الأقلية المسلمة هناك، من خلال الفرق الباطنية ذات الصلة بالفكر الشيعي في شرق إفريقيا مثل جماعة الأحباش في إثيوبيا، التي يتزعمها عبد الله الهرري الحبشي، الذي تنقل بين عديد البلدان العربية إلى أن استقر به المقام في لبنان في ثمانينات القرن الماضي وهناك وجد المأوى والنصير من شيعتها.
في عام 2012 عرض وزير خارجية إيران حينها علي أكبر صالحي على إثيوبيا تطوير علاقات البلدين لتصل إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، اثيوبيا هي ذاتها الحليف القوي للكيان الصهيوني في منطقة القرن الإفريقي.
أما في جيبوتي، فإن إيران كثفت جهودها لنشر التشيع الصفوي منذ عام 2012 بشكل غير مسبوق، من خلال المنظمات الخيرية والثقافية، وضاعفت دعمها للمنظمات المحلية، وأصبحت قبلة لكثير من رجال الدين، من بينهم فيصل العلياوي الذي حل بجيبوتي عام 2014 وافتتح فيها مركز آل البيت، لينتقل العمل على نشر العقيدة الشيعية هناك من السر إلى العلن.
هذه إذن هي إيران الملالي، البلد المسكون بالأطماع التوسعية الاستعمارية، على حساب التاريخ والجفرافيا، وعلى حساب الدين والهوية.