الأحد, 8 يونيو 2025

«عقدة التجنيد» تتفاقم .. إيران تضاعف رهانها على الميليشيات

279 مشاهدة
منذ 7 سنوات
بعث اللواء الدموي اإرهابي قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" التابع لـ مليشيا "الحرس الثوري الإيراني"، في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، رسالةً إلى المرشد الأعلى علي خامنئي يعلن فيها النصر على تنظيم "داعش" في سورية والعراق. وفي ردّه دعا خامنئي قوات "المجاهدين" كافة إلى الحفاظ على استعدادها لمواجهة التحديات المستقبلية في المنطقة. وفي السياق نفسه، كانت التصريحات الأخيرة للواء محمد علي جعفري قائد "الحرس الثوري" وغيره من القادة قد سلطت الضوء، بحسب تقرير معهد واشنطن للدراسات، على قوات "باسيج العالم الإسلامي" (بسيج جهان إسلام) باعتبارها نموذجا ناشئا عن التعبئة الشيعية الدولية تحت قيادة سليماني، بينما أعرب اللواء محمد باقري رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية عن قناعته بأن هذا النموذج، إذا اقترن بالقدرات العسكرية الإيرانية الموسعة، قادرٌ على توحيد صفوف الدول الحليفة لتفادي معاودة ظهور تنظيم "معادٍ" ولا سيما في أفغانستان وبعض مناطق باكستان، حسب صحيفة الاقتصادية السعودية. كتيبة "فاتحين" في طليعة الجهود وفي السياق الراصد ذاته لميليشيات طهران في المنطقة يواصل التقرير استعراضه لآراء مماثلة عن العميد سيد محمود هاشمي قائد كتيبة "فاتحين". وكتيبة "فاتحين" هي القوة الإيرانية الرئيسة المقاتلة في سورية (وتختلف عن عديد من وحدات الميليشيا التي تدعمها إيران التي تتألف من مقاتلين أجانب من أفغانستان وباكستان ولبنان والعراق وبلدان أخرى). وتتألف "فاتحين" من عناصر إيرانية، كما أن هذه الكتيبة ليست معروفة جدا وهي وحدة خاصة شبه تطوعية من "الباسيج" تابعة لفيلق "محمد رسول الله" في "الحرس الثوري". وعلى الرغم من ارتباطها الوثيق بمهمة الاستشارة والمساعدة التي ينفذها "فيلق القدس" في سورية، تتمثل المهمة الرئيسة الموكلة إليها بقتال المشاة. ويشار إلى أنها أنشئت في الأساس في طهران بعد الانتفاضة التي أعقبت الانتخابات في عام 2009، وأسند إليها مراقبة المواطنين في البلاد، إلا أن نطاق مهامها آخذ في التوسع منذ ذلك الحين. وتخضع عناصر "فاتحين" لتدريب أكثر صرامةً من ميليشيات "الباسيج" العادية. كما أن مستشاريها يدربون المقاتلين الأجانب المجنّدين لصالح "باسيج العالم الإسلامي" ويعملون على ما يبدو على مساعدة المتمردين الحوثيين في اليمن. وكما أوضح اللواء جعفري في 26 تشرين الثاني (نوفمبر)، "يشكل "الباسيج" نموذجا للمقاومة من قبل شعوب المنطقة على غرار "حزب الله" في لبنان... وجيش "الحشد الشعبي" الكبير في العراق، وكذلك في اليمن وبلدان أخرى... وقد نُقلت خبرتهم بالفعل إلى (الحوثيين)". تطبيق النموذج العراقي على أفغانستان بما أن تركيز القادة الإيرانيين قد يكون منصبا اليوم على أفغانستان وباكستان، فقد يقررون تعميم نموذج "فاتحين" من خلال السعي لإعطاء الكتائب الأفغانية والباكستانية الوكيلة لإيران (أي "لواء الفاطميون" الأفغاني و"لواء الزينبيون" الباكستاني) دورا كـ"جبهة داخلية". فهذه الكتائب ستبدأ يوما ما بالانسحاب من سورية والعودة إلى بلدانها الأصلية. وفي حالة "لواء الفاطميون"، من الممكن أن تحث طهران أفغانستان على منحه صفة رسمية شبيهة بصفة "قوات الحشد الشعبي" في العراق، و/أو تعرض المساعدة على تشكيل منظمة شبه عسكرية جديدة تتلقى التدريب من إيران. وإذا حدث أن تجسدت هذه الروابط الإيرانية على أرض الواقع، فستصبح بالتأكيد محط خلاف بين كابول والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وإذا اختارت إيران هذا المسار، ربما تسعى إلى تجنب تكرار تجربة التسعينيات، عندما فشلت في إحكام سيطرتها على الأحزاب الشيعية الأفغانية ومنافسيها "الحرس الثوري" وميليشيات "نصر". فقد تقرر هذه المرة أن تنشئ حزبا ميليشياويا شيعيا موحّدا على غرار "حزب الله"، على أن يكون مدعّما بجنود أفغان قدامى ومتمرسين استقوا خبرتهم في القتال من الحرب السورية. وفي بلدان أخرى، غالبا ما تعمل هذه الميليشيات المسلحة بموازاة الهيئات العسكرية والأمنية أو حتى تحل محلها، وتأخذ تدريجيا بتوسيع نفوذها السياسي وشرعيتها، مستفيدةً بشكل جزئي من الدعم الخارجي. وتنجح هذه بشكل خاص في البلدان التي تفتقر فيها القوات الوطنية إلى القدرة أو الإرادة للقتال بفعالية، ما يتيح لها زيادة شعبيتها من خلال تحقيق الانتصارات في ساحة المعركة ضد الجهات المعادية من غير الدول. وفي هذا الإطار، لدى أفغانستان تاريخٌ حافل بالميليشيات الخاصة مثل ميليشيا عبد الرشيد دوستم، لكن أيّا منها لم يضاهِ "حزب الله" تنظيما أو يحظَى بدعم مادي وتدريبي وإيديولوجي قوي من طهران. من هنا، إذا قررت إيران تقديم مثل هذا الدعم بعد الحرب السورية، سيكون بوسع وكلائها الذين يتمتعون بحسن التدريب والتجهيز أن يكتسبوا نفوذا كبيرا في أفغانستان على المدى الطويل بعد انسحاب قوات "الناتو". أما على المستوى الاجتماعي، فتشعر أكثرية سكان الهزارة الشيعة في أفغانستان بأنها مستضعفة من قبل الحكومة المركزية، وهي تملك روابط عائلية وإيديولوجية وثيقة مع إيران. يُذكر أن البلاد تضم ستة أحزاب سياسية شيعية يمكن لكل منها أن ينشئ أجنحة شبه عسكرية بتشجيع من إيران. أضف إلى ذلك أنه للأحزاب على غرار "حزب الوحدة الإسلامي" ("حزب وحدت إسلامي") تاريخ حافل بالنفوذ الإيراني، ولذلك فإن المجال متاح أمام طهران للترويج لإسلام سياسي شيعي شامل في صفوف تلك الأحزاب. تدعيم دورها في سورية أشارت التعليقات الأخيرة التي أدلى بها اللواء جعفري إلى أن إيران تمارس ضغوطا على النظام السوري لمنح صفة رسمية لـ"قوات الدفاع الوطني"، وهي الميليشيا الرئيسة التي أنشأها "الحرس الثوري" في البلاد. ففي 23 تشرين الثاني (نوفمبر) صرّح جعفري "أن قرار إضفاء الطابع الرسمي على "قوات الدفاع الوطني" أم لا، يعود إلى الحكومة السورية، إذ لا يسعنا إرغامها على ذلك. وفي العراق، مُنحت "قوات الحشد الشعبي" صفةً رسميةً وهي ممتنة لذلك... والآن يتعين على الحكومة والبرلمان السوريين إصدار قانون بشأن النسخة السورية من "الحشد الشعبي" وإضفاء الصبغة الرسمية عليها. وإذا تم إضفاء الصبغة الرسمية على "قوات الدفاع الوطني" وأصبحت المستفيد الرئيس من المساعدات العسكرية الإيرانية إلى سورية في مرحلة ما بعد الحرب، سيكون لطهران نفوذ كبير على كيفية استخدام دمشق لبعضٍ من قواتها المسلحة الأكثر قدرة. التوسع المحتمل في اليمن من المفترض أيضا أن تدرس إيران كيفية زيادة مساعداتها إلى الحوثيين في اليمن، خصوصا في ضوء توطيد سلطتهم أخيرا وزيادة التوترات(...) ولكن بخلاف الوضع في سورية والعراق، تفتقر طهران إلى الطريق اللوجستي الموثوق اللازم لإرسال العناصر والإمدادات إلى اليمن. ونتيجة لذلك، هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى أنها تمكّنت من نشر نموذج "باسيج العالم الإسلامي" على نطاق واسع هناك. ولا شك في أن السلطات السعودية تشكو من تسلل عناصر تابعة لـ "حزب الله" وإيران إلى اليمن وتزويدها القوات الحوثية بالمهارات اللازمة لاستخدام الصواريخ، وهذه مزاعم قد تدعمها نشاطات إطلاق الصواريخ الأخيرة. الخاتمة يشير عدد كبير من التصريحات الصادرة أخيرا عن "الحرس الثوري الإيراني" إلى قيام جيش شيعي في المنطقة يوحي بمقدار هائل من الثقة الجيوسياسية. وفي حين أنه لا يزال من غير المعروف كيف ستُترجم هذه التصريحات إلى أفعال واقعية أو متى سيحدث ذلك، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لكبح أي توسع للميليشيات الإيرانية في المنطقة. وهذا يعني في الوقت الراهن وضع "باسيج العالم الإسلامي" تحت الرقابة والتعامل مع الحلفاء في المنطقة حسب الضرورة للحد من أنشطة هذه القوات، بما في ذلك أنشطة التجنيد. فصحيح أن قوات "باسيج العالم الإسلامي" تعمل بإمرة إيرانية، ولكن تركيبتها أصبحت تضم جنسيات متعددة وبوتيرة متصاعدة. ولذلك، بوسع أي منظمة تابعة لها أن تدعم مصالح طهران المعادية في كل من أفغانستان وسورية واليمن وغيرها من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية، حتى من دون وجود كبير لإيران على الأرض.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *