<< مؤرخ فرنسي: بريطانيا أسلمت طرفي «الهلال الخصيب» لأعداء العرب.. أعطت الأحواز لإيران ومنحت فلسطين لليهود
<< المراقبون: الخطاب العدائي المتبادل بين «إيران إسرائيل» يخفي خلفه تاريخا طويلا من الأكاذيب والمغالطات التاريخية
<< علاقات قوية ربطت بين طهران والكيان الصهيوني قبل ثورة 1979.. وإيران اعترفت بـ «إسرائيل» بعد عامين من تأسيسها
خاص – قناة المحمّرة| شريف عبد الحميد:
في كتابه «الخليج العربي» يقول المؤرخ الفرنسي جان جاك برسي «إن عربستان هي طرف الهلال الخصيب الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية، وينتهي عندها، مارا بلبنان وسوريا والعراق، لذلك فإن بريطانيا أسلمت الطرفين لأعداء العرب، أحدهما لإيران والآخر لليهود في فلسطين، أليست هذه حقيقة تستحق التأمل والتوقف عندها طويلا؟!».
هذه الرؤية التاريخية الثاقبة تؤكد أن الأحواز العربية المحتلة هي توأم فلسطين المغتصبة، وأن بين «تل أبيب» وطهران من المشتركات ما خفي وكان أعظم، وليس العداء الظاهر بينهما سوى خديعة كبرى للعرب والمسلمين، غير أن ما تحت العداء الظاهر بين طهران و الاحتلال الصهيوني خفايا سنكشف النقاب عنها في هذا التقرير.
وجهان لعملة واحدة
لا جدال أن الكيانيّن الصهيوني والفارسي وجهان لعملة واحدة، ولديهما هدف مشترك يسعيان إلى تحقيقه بإثارة حروب طائفية والتستر بالدين في منطقة الشرق الأوسط، ففي حين يتستر الاحتلال الصهيوني بالدين اليهودي، وهي في حقيقة الأمر حركة صهيونية ذات أهداف سياسية احتلالية محضة، يتستر نظام «الولي الفقيه» بالدين الإسلامي الحنيف، ولكنه في باطنه نظام يدافع عن القومية الإيرانية ويريد إحياء الإمبراطورية الفارسية.
ويكشف الواقع يوما بعد يوم عن أن الأطماع الفارسية لا تقل خطرا عن الأهداف الصهيونية في المنطقة. وإذا كانت «إسرائيل» تحتل فلسطين، فإن إيران تحتل الأحواز، ما يؤكد أن بين «الصهيونية» و «الفارسية» علاقة خفية وثيقة، حيث يجمعهما احتلال الأراضي العربية في فلسطين والأحواز، وأن ثمة حقائق تاريخية مخبئة لدى الطرفين، سيؤدي كشف النقاب عنها إلى كتابة التاريخ مجددا بشكل صحيح، بعيدا عن لعبة إنكار المحرقة النازية لليهود «الهولوكوست» وصولا لاحتلال اليهود لفلسطين واحتلال الفرس للأحواز، وكل تلك الحقائق كانت بالشراكة «الفارسية- الصهيونية» وبرعاية بريطانية في بنود غير معلنة لوعد «بلفورد» الشهير في عام 1917.
ويؤكد المؤرخون أن إيران شاركت في مخطط «وعد بلفور» كشريك رئيسي، وإن لم تظهر بصماتها آنذاك بوضوح، وبات الدور الذي لعبته معروفا، والثمن الذي قبضته من مشاركتها في زرع الكيان الصهيوني في فلسطين معلوما للكافة، بعدما كشفت الأيام عن ذلك الدور، ولا زالت تتكشف خفايا التآمر «الإيراني- اليهودي» على العرب والمقدسات الإسلامية لصالح الصهيونية، ما يثبت أن بينهما قواسم ومصالح مشتركة عدة.
ويشير المراقبون السياسيون إلى إن هناك خيطا رفيعا يربط بين الاحتلال الصهيوني لفلسطين المغتصبة، وبين الاحتلال الإيراني لإقليم الأحواز العربي. ورغم أن الاستعمار الفارسي للأحواز بدأ عام 1925، أي أنه يعد أقدم زمنيا من استيلاء العصابات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية وإعلان دولة الاحتلال عليها عام 1948، إلا أن المكانة الدينية لفلسطين جعلتها قضية العرب الأولى، لكن الأحوازيين حرموا من كل شيء حتى من تضامن إخوانهم العرب، ومؤخرا بدأت قضية الأحواز تعود إلى واجهة الإعلام العربي والإسلامي، وإن يكن الأمر على استحياء.
ويلفت «برسي» في كتابه المذكور إلى أن «أعداء الأمة العربية من الفرس والصهاينة لم يكتفوا بتمزيق نسيجها العضوي والاجتماعي، وتقسيمها جغرافيا إلى أقطار ودويلات، بل سلبوا أجزاء عزيزة منها مثل فلسطين وإمارة الأحواز العربية التي احتلتها إيران بالتواطؤ مع بريطانيا منذ 92 عاما، بما يشبه تماما الدور البريطاني المفضوح في القضية الفلسطينية، سواء بسواء».
تاريخ من الأكاذيب
يخفي الخطاب العدائي المتبادل بين إيران والاحتلال الصهيوني خلفه تاريخا طويلا من الأكاذيب والمغالطات، حيث كانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان المحتل بعد تأسيسه، وما بين وصف «إسرائيل» لملالي إيران بـ «النازيين»، ومزاعم إيران بوصفها «إسرائيل» بـ «الشيطان الأصغر»، فإن التاريخ يؤكد أن الغريمين طالما جمعتهما المصالح المشتركة.
إن إيران والاحتلال الصهيوني ليسا في صراع أيديولوجي كما يتخيل الكثيرون، وذلك لكون المصالح الاستراتيجية بين إيران والاحتلال الصهيوني تتقاطع في أكثر من مفصل وتحكمها النفعية «البراغماتية» لا غير، بعيدا عن أي خطاب أيديولوجي معلن عنه.
ومن المعلوم أنه كانت هناك علاقات قوية تربط بين إيران ودولة الاحتلال الصهيوني قبل ثورة 1979 في طهران، حيث اعترفت إيران في زمن الشاه بـ «إسرائيل» بعد عامين فقط من تأسيسها عام 1948. ورغم أن حكومة محمد مصدق اتخذت قرارا بإغلاق القنصلية الإيرانية في القدس المحتلة، وهو القرار الذي اعتبره العرب بمثابة تراجع من جانب إيران عن الاعتراف الرسمي بالاحتلال، فإن علاقات إيران بالاحتلال الصهيوني اتخذت بعدًا أكثر عمقًا في أواخر عقد الخمسينات بالتحالف الاستراتيجي بينهما في المجال العسكري، في مواجهة الأعداء المشتركين لهما، أي العرب، فاستفادت إيران عن طريق هذا التحالف من تدعيم علاقاتها مع العدو الرئيسي للدول العربية في ظل تزايد حدة العداء بينها وبين الأخيرة، خاصة مصر في عهد جمال عبد الناصر، وكذلك العراق بعد انقلاب 1958.
واستطاعت إيران خلال عهد الشاه الحصول على السلاح الذي تحتاج إليه من الكيان الصهيوني، واستفادت أيضا من خبرة الدولة العبرية في مشروعات زراعية وصناعية مثل مشروع «قزوين» الزراعي الصناعي، واستثمر أصحاب رؤوس الأموال اليهود في عدد من البنوك المختلطة وشركات الإنتاج والخدمات الإيرانية.
كما أتاحت العلاقات مع إيران للعدو المحتل الخروج من حصاره السياسي والإقليمي بتدعيم علاقاته مع دول الجوار غير العربية، واستطاع الاحتلال الصهيوني الحصول على النفط الإيراني أثناء عدوان 1967، وخلال حرب أكتوبر 1973، وهو الوضع الذي تغير في الظاهر بعد ثورة 1979، غير أنه استمر على ما هو عليه في الخفاء.
وكشفت دراسة أعدها «مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية» حول تاريخ العلاقات «الإيرانية- الصهيونية»، عن أن طهران استفادت من هذه العلاقات في العديد من المجالات، منها العسكرية حيث حصلت إيران على سلاح من دولة الاحتلال الصهيوني. وكان لتجارة الأسلحة بين الاحتلال وإيران تاريخ طويل ممتد منذ أيام الشاه وحتى بعد وصول الملالي لحكم إيران بعد الثورة الإيرانية.
ومن أشهر صفقات الاحتلال الصهيوني في بيع السلاح لإيران عام 1986 الصفقة المعروفة بفضيحة «إيران كونترا» التي قام فيها الاحتلال بدور الوساطة من أجل بيع شحنات من السلاح الأمريكي إلى إيران في مقابل الإفراج عن الأمريكيين المحتجزين في لبنان آنذاك.
أما عن العلاقة الخفية بين الكيانين الصهيوني والفارسي في أيامنا هذه، فيقول الكاتب صالح القلاب «عندما تحتج إسرائيل بانفعال مسرحي استعراضي على القاعدة الإيرانية الجديدة جنوب دمشق، وتحذر من موطئ لما أسمته (محور طهران) في سوريا، فإنها في حقيقة الأمر كمن يغطّي عينيه بكفَّي يديه حتى يوهم نفسه ويوهم من حوله أنه لا يرى واقع الأمور وحتى يبقى يستنجد بهذا العذر الوهمي ليوجه لدولة الولي الفقيه ولأتباعها في المنطقة وعلى رأسهم (حزب الله)، وليؤكد أنه شريك مضارب في تقاسم النفوذ في هذه الدولة العربية المنكوبة».
إن كل هذه الحقائق التاريخية والآنية الثابتة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن قضية الأحواز العربية المحتلة هي صنو قضية فلسطين المغتصبة، وأنه ينبغي العمل على الربط بين القضيتين لبيان ما بين طهران والاحتلال الصهيوني من وشائج قربى ومشتركات لابد من فصم عُراها عاجلا أو آجلا، لتحرير فلسطين والأحواز معا.