أشارت تقديرات صحفية إلى أن نوعية علاقات روسيا بكل من إيران والكيان الصهيوني وتركيا تُفسح المجال لنفوذٍ تفتقده الولايات المتحدة التي هي في تحالفٍ عضوي مع الكيان المحتل لفلسطين وعلاقة متقلبة مع تركيا وعداءٍ مع إيران، بينما روسيا تتحالف مع إيران في سوريا وتتفاهم مع الكيان المحتل وتركيا حسبما تتطلب الحاجة.
وكتبت المحللة العربية المقيمة في الولايات المتحدة، راغدة درغام، أنه ليس هناك ما يُفيد بأن إيران وإسرائيل قرَرتا تفكيك التهادن المعهود بينهما أو تجاوز الخطوط الحمر، مع أن هناك دوماً خطر الانزلاق غير المتعمَد إلى حروبٍ غير مقصودة.
هناك ما يُفيد بأن الولايات المتحدة تُراعي كثيراً المصالح الروسية في سوريا لكنها تتحفظ جداً على امتيازاتٍ إيرانية ميدانية في سوريا، لكن من المستبعد أن يتخذ الكرملين قرار الانفصال عن إيران الحليف الميداني المحافظ على المصالح الروسية في سوريا والشريك عند الحاجة في تهديد المصالح الأميركية.
بيد أنه من الممكن للدبلوماسية الروسية أن تُنبه إيران إلى مغبة الافتراض أن إدارة ترامب نمرٌ من ورق أو أنها ستتراجع أمام الاستقواء الإيراني. هناك في طهران مَن يُراهن على تفاهمات ضمنية مع إسرائيل لإخماد انفعال إدارة ترامب، وخصوصا استيعاب حماستها للانقلاب على قرارٍ إستراتيجي أمريكي دَعمَ التهادن الإيراني الإسرائيلي في عهدَي جورج دبليو بوش وباراك أوباما.
ونقلت أن هناك في عواصم خليجية وغربية مَن يؤكد أن القرار الأمريكي الإستراتيجي الجديد عنوانه التحول والعدول عن دعم التهادن الإسرائيلي الإيراني. ورأت أن أحداث الأيام القليلة الماضية التي شهدت إسقاط طائرة إسرائيلية بصاروخٍ سوري روسي الصنع وغارات إسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا تستحق قراءةً واقعية للوضع الراهن وللاحتمالات الممكنة.
وأفادت الكاتبة أن روسيا تُفكر في عرض مبادرةٍ جديدة لحلول بتنازلاتٍ مؤلمة من الطرفين الإيراني والإسرائيلي لحل الخلافات بينهما تجنباً للانزلاق إلى مواجهات بينهما في الساحة السورية أو في لبنان. إسرائيل لا تُبالي كثيراً بالأولوية الإيرانية المتمثلة ببقاء بشار الأسد ونظامه في السلطة حفاظاً على المصالح الإيرانية، وهي عملياً وفعلياً لا تُعارض استمرار الأسد ونظامه لأنه لا يُهددها ولا تحتج على بقاء إيران في أرض الشام لأنه يُناسبها.
في الماضي، تقول الكاتبة، كان "المحافظون الجدد" في عهد جورج دبليو بوش يُروجون لامتداد "الهلال الشيعي" من إيران إلى إسرائيل باعتبارهما شريكَين طبيعيَين في مواجهة امتداد ما يُسمى "التطرف السني".
وقالت الكاتبة إن حرب بوش في العراق قدمت إلى إيران هدية نفوذٍ إستراتيجي ثمين، إذ أنهى صدام حسين العدو اللدود لطهران، وحرب الرئيس الأميركي في أفغانستان قضَت على طالبان العدو الآخر لإيران. إسرائيل كانت موافقة تماماً على الإجراءات الأميركية التي أعطَت طهران زخماً إقليمياً وهي لم تُعارض جدياً إقبال باراك أوباما بشغفٍ على صفقة العلاقات الثنائية الأميركية- الإيرانية وإبرام الاتفاقية النووية مع طهران.
وبعد حرب 2006، كما أوردت الكاتبة، تم التوافق على القرار 1701 الذي نظَم الهدنة الدائمة بين "حزب الله" وإسرائيل التي انطوَت على تحييد صواريخ "حزب الله" بما لن يمس إسرائيل. بقيَت إسرائيل صامتة لا تتدخل في قرار إيران و"حزب الله" خوض الحرب السورية. وتوصَلت إلى تفاهمات مع روسيا حول آفاق وجغرافية معارك "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" اللبناني في سوريا وحصلت على ضمانات في هضبة الجولان بالذات.
وهكذا اطمأنت إسرائيل إلى ضمانات بأن التوسع الإيراني في سوريا ليس موجهاً ضدها وهدفه ليس المواجهة معها. واطمأنت إيران إلى أن إسرائيل لن تقطع الطريق عليها في سوريا، وأنها ستلتزم بالهدنة مع "حزب الله" في لبنان. وأوضحت الكاتبة أن التغيير أتى نتيجة القرار الإستراتيجي الجديد لإدارة ترامب نحو إيران بإعادة خلط أوراق التحالفات والأولويات مع دول منطقة الشرق الأوسط والخليج.
الرجال المؤثرون في إدارة ترامب هم من المؤسسة العسكرية الأميركية التي تُفكر في المصلحة القومية الأميركية وفي المصالح الاقتصادية والإستراتيجية على المدى البعيد وعلى المدى القصير. إسرائيل مهمة دائماً لأية إدارة أميركية وهي مسألة داخلية في السياسة الأميركية. وإنما هذا لا يَعني، وفقا لتقديرات الكاتبة، أن أمريكا تخضع بشكل كامل لمقتضيات الأولوية الإسرائيلية. إدارة ترامب تنظر إلى المصالح الأميركية من زاوية احتواء الطموحات الإيرانية الإقليمية والتصدي للتجاوزات الإيرانية وتدخلات "الحرس الثوري" في العراق واليمن وسوريا وكذلك لنشاطات "حزب الله" الإقليمية والدولية.
ورأت أن أهم الأسئلة المطروحة، حاليَا، هو ما إذا كانت إسرائيل جاهزة للانفصال عن القرار الإستراتيجي الأمريكي نحو إيران وتداعياته، أو إن كانت تَجد مصلحتها القومية في صفقة احتواء الصواريخ واحتواء الحروب مع إيران.
وكتبت أن الاحتكاكات التي حصلت بين إسرائيل وإيران في سوريا بقيَت تحت السيطرة لأن كلاهما استنتجَ أنه لا يُريد أن يتصادم مع طرفٍ قادر على إيذائه. اختبر أحدهما الآخر إما للتعرف إلى مدى الرد أو تلبيةً لرغبات كي يُعطى الانطباع بأنهما ليسا شريكين في المعادلة.
فماذا، كما تساءلت، لو كان القرار الأميركي حازماً لجهة قطع الطريق على إيران في سوريا؟ ماذا لو كان الاستنتاج الإسرائيلي ما بعد الاحتكاكات الأخيرة أن خطر القواعد الإيرانية في سوريا حقيقي وأن لا مجال للتعايش مع الصواريخ الإيرانية داخل سوريا أو داخل لبنان؟ وماذا لو استخلصَت إيران أن روسيا هي حاميها في سوريا مهما حصَل وأنها ستمضي في دَعم "حزب الله" في تخزين الصواريخ والأسلحة الثقيلة في لبنان كما ستُصر على تطوير أسلحتها الصاروخية؟
هذه أسئلة جدية، تقول الكاتبة، تستحق توقف الجميع عندها، بالذات روسيا التي هي مصدر الثقة الإيرانية في سوريا. فمصلحة روسيا تقتضي ألا تتصرَف إيران في سوريا بمكابرة أو بإفراط كي لا تتخذ واشنطن قراراً عسكرياً، إما عبر إقناع إسرائيل به، أو رغماً عنها إذا تردَدت عبر التحالف الدولي.
(مجلة العصر)
الأحد, 8 يونيو 2025
تقديرات: لا اعتراض للصهاينة على الوجود الإيراني وإنما يرفضون صواريخه داخل سوريا ولبنان
