تناقض المواقف السياسية التي يصدرها ناطقون باسم الحشد الشعبي المكوّن أساسا من العشرات من الميليشيات الشيعية في العراق بشأن مختلف القضايا والتطورات داخل البلد وخارجه، تأكيدات حكومة بغداد المتكرّرة بأن الحشد جزء من القوات المسلّحة وخاضع مثلها لإمرة قائدها العام الذي هو رئيس الحكومة ذاته.
وبينما تشارك فصائل الحشد حاليا على الأرض في العملية العسكرية الجارية لاستعادة مناطق من سيطرة أكراد العراق بعد مبادرتهم بتنظيم استفتاء على استقلالهم، تخوض قيادات الحشد والناطقون باسم فصائله في الجانب السياسي المتعلّق بالقضية وتصدر مواقف تأتي في أغلب الأحيان أقرب إلى قرارات صارمة وجازمة، حسب صحيفة العرب اللندنية.
وردّ الحشد الشعبي على مبادرة حكومة إقليم كردستان العراق بتجميد نتائج الاستفتاء حول استقلال الإقليم لبدء حوار مع بغداد، معلنا رفضها ومعتبرا أنّها “بلا قيمة، إذ أن التجميد يعني الاعتراف بالاستفتاء”، بحسب ما جاء على لسان المتحدث باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي.
وإذا تمّ التسليم بأنّ الحشد الشعبي فصيل من القوات العراقية، كما تقول الحكومة، فإنّ موقفا مثل هذا كان يمكن أن يصدر عن الشرطة الاتحادية، أو قوات الردّ السريع أو غيرهما، وهو ما لا يمكن أن يحدث إذ أن فصائل القوات المسلّحة لا تصدر ردودا أو مواقف أو توضيحات إلا بشأن مسائل تقنية في أغلب الأحيان تتصل بعملها بشكل مباشر وليس بقضايا سياسية عامّة.
وفي نوفمبر 2016، أقر مجلس النواب العراقي قانون الحشد الشعبي الرامي إلى وضع تلك الفصائل تحت الإمرة المباشرة للقائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي. وبموجب ذلك القانون، تعتبر فصائل وتشكيلات الحشد “كيانات قانونية تتمتع بالحقوق وتلتزم بالواجبات باعتبارها قوة رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية”.
ولم يغيّر سنّ ذلك القانون من القناعة السائدة داخل العراق وخارجه بأنّ إعلان انتماء قوات الحشد الشعبي للقوات المسلّحة العراقية، ليس سوى أمر شكلي لإيجاد مظلّة للحشد من الانتقادات الكبيرة الموجّهة إليه والمطالبات بحلّه باعتباره جسما شبه عسكري موازيا يفتقر للشرعية القانونية.
واكتسبت فصائل الحشد مكانة هامّة في العراق من مشاركتها في مواجهة تنظيم داعش، خصوصا وأن القوات المسلّحة العراقية شهدت انتكاسة كبيرة قرّبتها من الانهيار التام لدى غزو التنظيم لمناطق البلاد بشكل مفاجئ سنة 2014. ومع ذلك تظل مثار جدل كبير وانتقادات.
ويضم الحشد فصائل مسلحة كانت موجودة سابقا أبرزها “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق”، بالاضافة إلى فصائل عديدة أخرى متنوعة تم تشكيلها لاحقا. وتتلقى غالبية تلك الفصائل دعما من إيران المجاورة. كما يضمّ بشكل ثانوي مقاتلين من العشائر السنية تطلق عليهم تسمية “الحشد العشائري” وأعدادا قليلة من المقاتلين المسيحيين والتركمان وغيرهم.
ويحظى الحشد بدعم من الأطراف الشيعية التي تعتبره قوات وطنية تحارب المتطرفين، لكن سُنّة البلاد ينظرون إليه بريبة وخوف بعد تعرّض أهالي مناطق سنية لإساءات واعتداءات على يد مقاتليه لدى مشاركتهم في استعادة تلك المناطق من داعش، وتاليا في عملية مسك الأرض وحفظ الأمن.
ويقدر عدد مقاتلي الحشد الشعبي، بحسب البرلمان العراقي، بـ110 آلاف فرد بينما يقول خبراء أمنيون إنّ العدد يصل إلى 140 ألفا. ويختلف مستوى المهارات والتدريب والخبرة بشكل جذري بين فصيل وآخر، تبعا للدور الذي يقوم به المقاتلون. وتضطلع كتائب حزب الله وكتائب الإمام علي وبدر وعصائب أهل الحق إجمالا بدور القوات المهاجمة ضد تنظيم داعش، لكن وجهت إليها اتهامات كثيرة بارتكاب انتهاكات جسيمة بحقّ المدنيين العزّل بدوافع طائفية.
وبالنظر إلى علاقة كبار قادة الحشد الشعبي بإيران ومن بينهم من قضى فترة من حياته على الأراضي الإيرانية ومنهم من قاتل إلى جانب إيران في حرب الثماني سنوات ضدّ العراق، وباعتبار ما تلّقته الميليشيات المكوّنة للحشد من مساعدات إيرانية كبيرة، فقد بات ينظر للحشد باعتباره جيشا إيرانيا رديفا على الأراضي العراقية وأداة في يد طهران لترجمة نفوذها السياسي في العراق إلى سيطرة ميدانية.
وعادت مسألة صلات إيران بالحشد إلى الضوء بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي دعا “الميليشيات الإيرانية” إلى “العودة إلى ديارها”.
ورفض رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بشدة تلك التصريحات. وقال خلال لقائه تيلرسون في بغداد إن “مقاتلي الحشد الشعبي هم مقاتلون عراقيون قاتلوا الإرهاب ودافعوا عن بلدهم وقدموا التضحيات“.وأوضح أن “الحشد مؤسسة رسمية ضمن مؤسسات الدولة والدستور العراقي لا يسمح بوجود جماعات مسلحة خارج إطار الدولة”.
ورغم ذلك، يشير مركز كارنيغي للأبحاث إلى أنّ طهران تلعب دورا حقيقيا في التنسيق مع قيادة الحشد التي تجتمع بانتظام مع قاسم سليماني.
الأحد, 15 يونيو 2025
مواقف «الحشد الشيعي» السياسية تنسف ادعاء انتمائه للقوات العراقية
