فاروق يوسف أخطأت جامعة الدول العربية حين أحجمت عن الذهاب مباشرة إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم شكوى ضد إيران. ما فعلته الجامعة حين اكتفت بعرض مسألة الخطر الإيراني على مجلس الأمن هو نوع من تضييع الوقت لا أمل يُرجى منه. المجتمع الدولي في حاجة إلى مَن يضع بين يديه الوثائق التي تؤكد أن إيران بسلوكها العدواني صارت تلحق الأذى بالآخرين، كل الآخرين. أما أن تُترك الأمور على عواهنها، فإن جهة ما لن تتحرك من أجل لجم إيران وإعادتها إلى حجمها الطبيعي. صدور قرار دولي بإدانة إيران كفيل بأن يشكل بداية قانونية للتعامل مع تداعيات المشروع الإيراني التي صارت تهدد دولا بالفشل وشعوبا بالعزل وهو ما وقع فعلا في العراق واليمن، وما يمكن أن يقع في لبنان وسوريا. إيران ليست مستعدة للتراجع عن مشروعها التدميري التوسعي بمجرد أن تعترض دول المنطقة على ذلك المشروع. لا لشيء إلا لأنها لا تعترف بحق تلك الدول في الاعتراض والتعبير عن استيائها. منذ أربعة عقود احتلت إيران جزرا ثلاث تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة غير أنها لم تر في ما فعلته نوعا من الخروج على القاعدة. وهو ما يمكن أن يدعم وجودها في العراق واليمن ولبنان وسوريا. ذلك لأنها لم تجد مَن يعاقبها على جريمتها الأولى. ما هو محرم في القانون الدولي تجده إيران طبيعيا، ولا أعتقد أنها ستكون يوما ما قادرة على فهم انحرافها إلا عن طريق القوة. لا لأنها تجهل القانون الدولي بل لأنها لا تعترف بذلك القانون كونه ابتكارا أرضيا فيما تمثل إرادتها نوعا من مشيئة السماء. بالنسبة للعالم العربي فإن إيران كانت دائما قدرا سيئا. الجار الذي يمكنه أن يكون مزعجا في أية لحظة. كانت دائما كذلك. غير أنها في ظل حكم العمائم السوداء صارت تمثل ذلك القدر في أسوأ أحواله. فإيران المعادية للعرب دائما، صارت اليوم تتكئ على الخطاب الديني من جهة انحيازه الطائفي في تفسير عدائها التاريخي. ما يعرفه العرب وحدهم أن إيران مسلّحة تاريخيا وعقائديا ضدهم. وهي قناعة عززتها إيران بالكثير من الأسباب التي يمكن من خلالها التعرف على النزعة العدوانية التي تتحكم بسلوك النظام الحاكم في ظل ثقته المطلقة بأنه يملك الحق الشرعي في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وقد يكون مهما هنا الإشارة إلى أن دولا عربية عديدة حاولت أن تقفز على تلك العقدة من خلال إقامة علاقات طبيعية مع إيران بحثا عن عناصر ومصالح مشتركة موجودة واقعيا، كما فعلت الكويت على سبيل المثال، غير أن تلك المحاولات انتهت إلى الفشل حين اصطدمت بالإستراتيجية الإيرانية الثابتة التي تقوم على أساس الرغبة في العبث بأمن واستقرار البلدان المجاورة وهذا ما كشفت عنه خلية العبدلي التابعة لحزب الله وهي جهة منفذة للأجندة الإيرانية. لقد فشلت كل المحاولات العربية لتحييد إيران ووضعها في إطار الدولة التي تحترم القوانين التي تحكم العلاقات بين الدول ولم يعد هناك مسوغ للقبول بتلك العـلاقة الشاذة. صبر عربي أكثر معناه تمدد إيراني أكبر. وهو ما يكسب الدعوة إلى تدويل الصراع مع إيران ضرورة ملحة لما تنطوي عليه من مسعى لوضع المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن في مواجهة مسؤولياته في حفظ الأمن والسلم العالميين. فما لا يمكن القبول به عالميا أن تستمر إيران في إشعال الحرائق في منطقة يعتمد العالم عليها في الحصول على الجزء الأكبر من مصادر الطاقة التقليدية المتاحة. وبما أن إيران قد أثبتت أنها غير مستعدة لفهم ما يقوله جيرانها، فقد آن الأوان لتحجيمها ومنعها من الاستمرار في عسكرة هواء الشرق الأوسط وتسميمه بخرافاتها التي لا يحتاج إليها أحد. العرب
الجمعة, 22 نوفمبر 2024