ايران ولاية بلا فقيه
هل قضت أزمة صراع اجنحة الحكم في إيران‘ على نظرية " الولي الفقيه " ؟..
هذه النظرية السياسية التي ابتكرها الفقيه الشيعي " محمد بن مكي العاملي (في متصف اللقرن الثامن الهجري)‘ والتي لم يسبق تطبيقها في التاريخ الشيعي إلا لمرة واحدة فقط ‘ أي بعد مرور ستة قرون ونيف من ابتداعها‘ وذلك بعد تولى رجال الدين الحكم في إيران عام 1979 ‘حيث اعتبر الخميني هذه النظرية بمثابة ركن من أركان الدين والدولة .
يأتي هذا التساؤل في ظل الأزمات السياسية التي تعيشها ايران والتي القت بتداعياتها على نظام الملالي وعلى نظرية " ولاية الفقيه " التي قائم عليها نظام الجمهورية الإيرانية .
ان ما يشهد النظام الايراني من صراع بين أجنحته يعد تحديا ليس له مثيل من قبل‘ وما يميز هذا الصراع ان طريقة وأسباب توسعه من دائرة الى أخرى ‘ تشبه الى حدا بعيدا طريقة توسع الأمراض الخبيثة التي تبدأ بضرب نقطة صغيرة في الجسم ومن ثم تأخذ بالانتشار حتى تنتهي بالقضاء على الجسم بأكمله.
ماهو حاصل في إيران حاليا كان قد بدأ مجرد خلاف على سير عملية الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2009و ما افرزته من نتائج, ولكن سرعا ما تحول الخلاف الى صراع اتهم أطرافه احدهم الآخر بحياكة مؤامرة انقلابية تستهدف القضاء على الثورة والنظام .
وقد شهد هذا الصراع سقوط ضحايا ودماء غزيرة ساهمت في توسيع رقعته و رفع مستواه ليطال أعلى مقام في السلطة وهو منصب الولي الفقيه " علي خامنئي " الذي عجز انذاك عن ان يجنب نفسه الدخول في معمعة هذا الصراع وانحاز بكله الى جانب طرف على حساب آخر .
إن دخل الولي" الفقيه " دائرة الصراع جعل مقام " الولاية " التي يتمتع بها ‘مرمى لسهام المعارضين ‘رافعا عن نفسه الهالة والقدسية التي كان عليها مقام الفقيه صاحب الولاية المطلقة ‘ وقد أصبح ذلك ظاهرا من خلال الشعارات التي بات يرفعها أنصار جناح ما يسمى " بالإصلاحيون " الذين استبدلوا مطالبهم وشعاراتهم التي كانت تنادي بإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية وإسقاط الرئيس احمدي نجاد انذاك‘ الى إلغاء منصب الولي الفقيه من الدستور, وقد لاقي هذا المطلب أنصار ومؤيدين له من داخل الحوزة الدينية في كل من حوزة قم والنجف.
لقد اظهر هذا الاختلاف بين خامنئي ومراجع الحوزة في قم والنجف ‘ان الأمر تجاوز مسألة الخلاف حول نتائج الانتخابات الرئاسية وما نجم عنها من تداعيات سياسية أدت الى حصول الأزمة القائمة الى اليوم... بل ان الأمر تخطى ذلك بكثير وانتقل الى صراع حول قضية كانت الى أمد قريب تعد من أقدس مقدسات النظام والحوزة الدينية, وهي مسألة " ولاية الفقيه المطلقة " التي يعتقد خامنئي بما رآه الخميني في هذه المسألة من قبل ‘حيث كان الخميني يعتقد ان ولاية الفقيه " واحدة من الأحكام الأولية المقدمة على جميع الأحكام الفرعية ‘ بما فيها أحكام الصلاة والصوم والحج " .
لقد ادى دخول مرجعيات الحوزة الدينية في قم والنجف على خط الأزمة السياسية, الى تشجيع الشارع الايراني والجناح الاصلاحي في النظام الى اسقاط هيبة منصب الولي الفقيه وقد تجل ذلك بوضوح في الاحتجاجات التي شهدتها ايران مؤخرا وما تزال تشهدها بين الفينة والاخرة والتي اقدم خلالها المحتجون على احراق صور الولي الفقيه ووصفه بالدكتاتور والمنادات باسقاطه.
ان تسليم خامنئي مقاليد السلطة للحرس الثوري من أجل حماية منصبه قد جعله يصبح " فقيها بلا ولاية " ‘ حيث من الطبيعي حين ينتهك الدستور وتصادر الحريات وتباح الحرمات ‘ تعتبر مسألة ولاية الفقيه ملغاة ولا قيمة لها .
فايران اليوم ليست ايران الخميني التي كانت تمارس الثورية الرادكالية,,, وليست ايران رفسنجاني البراغماتية,,, وليست ايران خاتمي الاصلاحية,,, أنها اليوم ايران الفوضوية, التي إذا بقيت الفوضة فيها تسير بنفس المنوال التي هي عليه ‘ فإنها من المؤكد سوف تتحول الى ولاية من دون فقيه.
الخميس, 21 نوفمبر 2024