تغلغلت إيران بعيدا في أدغال القارة السمراء، في إطار سعيها الدؤوب للتمدد، ولصناعة الجيوب التابعة في أقصى نقطة يمكن أن تصل إليها، فحطت الرحال في أقصى غرب القارة، التي اعتبرتها أرضية خصبة، حيث بدأت منذ ثمانيات القرن الماضي في إيجاد موطئ قدم لها فيها، وذلك تزامنا مع هجرة أعداد كبيرة من المهاجرين اللبنانيين الذي يتبعون العقيدة الشيعية، إبان الحرب الأهلية.
العمل الخيري.. غطاء زائف
الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الهش في منطقة غرب إفريقيا، أغرى إيران باستغلال الفرصة للتمدد في منطقة خصبة بالصراعات المسحلة، والمقدرات الاقتصادية، فسكان المنطقة يزيدون على 250 مليون نسمة؛ وتضم جمهوريات؛ من بينها السنغال وموريتانيا ومالي وساحل العاج والغابون وجامبيا والغينيتين.
هذه الدول في عمومها تعتنق عقيدة أهل السنة، وترتبط بشكل وثيق بالاسلام الوسطي المعتدل، ولا توجد فيها من الناحية التاريخية سوابق للدين الشيعي، أو ما شابهه من الفرق المنتمية للعقيدة الشيعية، ولكن رغم ذلك، عملت إيران خلال العقدين الماضيين على تكدير صفو هذا الوضع، فسعت إلى اختراق النسيج الديني والاجتماعي في غرب إفريقيا من خلال المنظمات التبشيرية الشيعية الصفوية تحت غطاء الخيرية، والمراكز التعليمية والثقافية، والمشاريع الاقتصادية الاستثمارية، في مشهد مليء بالتناقض والمكيدة.
نشاط مكثف..
أغسطس آب عام 2016، كانت العاصمة السنغالية داكار، على موعد مع تأسيس ما تعرف برابطة عموم إفريقيا لآل البيت، وهو ما اعتبر قمة جليد التدخل الإيراني في هذا البلد الإفريقي.
وقد اعتمدت إيران في تأسيس الرابطة على شخصيات دينية لها وجاهة اجتماعية في مناطق بدول غرب أفريقيا، حيث اختارت لرئاستها الموريتاني بكار ولد بكار، فيما تولى الشيخ السنغالي شريف أمبالو أبو جعفر أمانتها العامة، وهو الذي قال في مؤتمر صحفي بعد تأسيس الرابطعة بأيام فقط إن الرابطة أصبحت الإطار الجامع لمعتنقي العقيدة الشيعة من الأفارقة.
في السنغال يتمتع الشيعة بنوع من الحرية في الحركة، ولهم تمويل قوي بعضه من إيران وجزء منه من الشخصيات التجارية الشيعية العراقية واللبنانية والخليجية، ويتزعم الشيعة في السنغال محمد علي شريف، وهو من أصول موريتانية، وينشط في المجال التجاري بين السنغال وموريتانيا، ويظهر الوجود الشيعي الايراني أساسا في العاصمة داكار ومناطق كازامانس وكولاخ.
أما عن موريتانيا فإن التشيع فيها محصور في منطقة نائية تابعة اجتماعيا للزعيم الشيعي الموريتاني بكار بن بكار الذي يرتبط بالمرجعية «السيستانية»، وذلك بعدما اعتنق العقيدة الشيعية منذ 2006م، واحتفل بعض أتباعه بطريقة رمزية عام 2011 بذكرى عاشوراء لأول مرة في موريتانيا.
البروبغاندا الإيرانية تروج لأعداد بالملايين اعتنقت العقيدة الشيعية، وهو ما ينفيه العارفو بحقائق الأمور، ويقولون إن هدفه الأساس هو خلق حالة من التسليم بالوجود الإيراني.
من تلك المعلومات المسمومة، والتي تبتعد كل البعد عن الدقة ما صرح به قبل فترة زعيم شيعة ساحل العاج إمام عبدول دمبا، حيث قال إن التشيع في بلاده يجري بخطط منتظمة ووفق دراسة زمنية تجري متابعتها من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران، زاعما أن هذا السير سيمكن من إعلان دولة ساحل العاج للمذهب الجعفري مذهبا رسميا في أفق السنوات العشر المقبلة، ذلك قفز على الحقائق مثير للسخرية.
إذا كان الواقع المعيش بغرب أفريقيا يثبت خطورة التغلغل الشيعي الصفوي ويجعل من ولائه لإيران حقيقة لا غبار عليها، فإن هذا الواقع يثبت كذلك أن ظاهرة التشيع تواجه تحديات جمة شعبيا، مما يجعلها محصورة في مناطق أغلبها معزول، وليس لها لحد الآن تأثير مقدر من الناحيتين السياسية والاجتماعية.
الخميس, 21 نوفمبر 2024